العزيز إدريس فكري
عندما يقرأ العمل قراءة استرجاعية ، يضمحل الوهم اللغوي الذي يغطي أي عمل شعري ، أشعر أن اللغة التي بين يدي ، مجرد توسلات شكلية لا يستهويني الوقوف عندها ، أكثر مما هي عليه في وضوحها ومباشرتها .
النص تتداخل فيه علاقات الذات مع المتن في منظومة الزمن الذي ينظم البوح الزجلي ، الزجال في تنائية مثيرة مع النص ، نرصده تارة خارج النص تماما متوجها بأسلوب وصفي يبين مدى إطلاعه عى الصورة التي يريد أن يقدم بها المتن ، وتارة عند ذيل النص حين ينادي بالاستيقاظ المعنوي للذات المحورية في النص التي تستقطب كل المعاني ، حين قال : نوض أ سي دون كيشوط . الوهم اللغوي المسيطر على الدلالة يوحي أن الزجال خارج الاطار حين يخاطب ذاتا أخرى ، على أنها كيان مستقل وجوديا ، غير أن العمق الشعري لهذا البيت ينطوي في زمن اللغة على الذات ويعود عليها ، الجمال كان في محاسبة _ دون كيشوط الحقيقي _ الذي أراه هو الزجال صاحب العمل ، المتخفي في رمزية هذا الاسم _ دونكشوط _ الرجل الحالم والمتشبع بثقافات المروءة والاندفاع دون مواربة للخروج بقراره الفروسي ليحارب العالم ولو في صوره الوهمية والجمالية ، النص مرارة صارخة في وجه العالم الذي كفر بالجمال والروح الطامحة للفروسية في الحياة ، تبدو الصرخة حين قال _ نوض _ ، لغوية صرفة لكنها ، موقف داخلي للنهوض من حالة وهمية حالمه ، تناقض واقعا خارجا عن ذات المبدع ، لا يؤمن بزمن الكرامات او الرجولة و الفروسية والإستيكان الى الطموح البريئ ان العالم مفصل على اذواق الشاعر و مؤسس على منطق الثبات ، فالاشياء لم تعد هي الاشياء ، المنطق لم يحترم حتى في قوانين العالم الثابتة ، هنا استشهد :
ع الله تلقى ف الما
باش تسرد شتاك
الماء الذي هو أصلا الشتاء يحتاج للماء الندي ليحقق له حقيقته بانه ماء ( سارد ) ، جميل هذا التنافر الذي بنى الصورة الشعرية .
النص شاعري لان الصورة حاضرة بأحد صنوفها بقوة وهي الصورة الفنية ، التي انبنت على التجربة الشخصية للزجال في بناءها ، بتوليفة تتميز باسلوب و ألفاظ عبرت عن عمق وصدق البوح في العمل .شكرا العزيز إدريس على مشاطرتنا العمل الذي حقق المتعة ، بإزاحاته الدلالية منذ أول قراءة .