سؤال الإبداع في قصيدة "وشام الحروف"
للخياطي أمينة
أطلت علينا الزجالة "أمينة" بنص جديد يرسم للمتلقي إلى جانب النصين السابقين ملامح تجربتها الشعرية، و سنحاول في هذه الأسطر الكشف عن الرؤية التي تقودها وسط لجج الشعر= الزجل، و ترسم معالم تجربتها الذاتية.
إن القارئ للقصيدة موضوع الدراسة، لابد و أن يستوقفه العنوان، هذا الأخير الذي يثير الدهشة و يفتح آفاقا رحبة لتعدد الدلالات و تناسل الإيحاءات؛ فـ "وشام الحروف" مركب اسمي من لفظتين: الأولى "وشام"، و الوشم هو الرسم أو الكتابة على الجلد بغرزه بالإبرة ووضع الصبغ عليه ، ليستحيل محوه.
و "الحروف" هي علامات صوتية تكوّن لحمتها أبجدية من الأبجديات المتداولة كالعربية و اللاتينية و غيرهما.
و بذلك يدل كل من "الوشم" و" الحروف" على الكتابة؛ كتابة هوية/ كتابة ذات/ كتابة كينونة/ كتابة رؤية... إنها كتابة الرسوخ لا المحو – و لو تمحى الوشام يبقاو حروفو –
فما هي الكتابة التي راهنت عليها الزجالة في هذا النص؟
اعتمادا على قراءة متمعنة للنص وجدناه ينتظم في ثلاث تيمات:
1- تيمة : مخاض الكتابة
و من ألفاظها: العين تتوجع/ القلب يتوحّم/ يتيه ف حروف المعنى/ فين تروح منك القصيدة/ تتكلم و تبوح بالمكنون (...)
2- تيمة: الفطام القسري أو التعسف على الكتابة
و من ألفاظها:الحرف هرب منك/ الكلمة خافت عليك منك/ اليدين الجايرة/ نزعات من القصيدة حروفها الحايرة (...)
3- تيمة: تحدي الابتذال في الكتابة
و من ألفاظها: مدّات يديها / تقاوم الريح/ تحاول تجمعو / عليه خايف (...)
و هي تيمات تشهد تجاذب و انجذاب كل من الذات و القصيدة؛ فالقصيدة قلق و سؤال يعبر عن الذات كما تفصح التيمة الأولى. و الذات مختبر لألفاظ و معاني القصيدة كما عبرت التيمتان الثانية و الثالثة.
و عموما هي تيمات تعري واقع الكتابة الراهن؛ حيث تعددت المفاهيم، و اختلط الشعر بالنظم، و الشعرية بالتقريرية، و النقد بالمجاملة ...
و إدانة لهذا الواقع فقد حاولت الزجالة الكشف عن رؤيتها للشعر انطلاقا من الاستراتيجية الآتية: ماهية الشعر، و وظيفة الشعر، و شعرية النص.
1- ماهية الشعر: عبرت الشاعرة عن مفهوم للشعر يتبناه الكثير من الشعراء؛ فالشعر رؤية كما يكشف قولها:
" العين تتوجّع و تْنينْ"
و الشعر قلق وجودي، كما تفصح هذه الأسطر:
" الحيرة قطعات السرّة
و تكمطات ف خواض الحنّة"
و الشعر تعبير و بوح وجداني، كما تعبر هنا:
" و القلب يتوحّم
برموش الليل "
2- وظيفة الشعر: لخصت الزجالة في هذا النص وظيفة الشعر في وظيفتين:
أ- وظيفة تهذيبية : تسعى إلى تقويم الذات، و الاحتفاء بإنسانيتها، و هو ما تشير إليه هذه الأسطر بالجزء "اللسان" الذي يعني الكل "الذات":
" ليل يغمّض عينيه
و يتيه ف حروف المعنى
على كلمة يحلّي بها لسانك"
ب- وظيفة تأثيرية: يخاطب الشعر من خلالها وجدان المتلقي و مكنوناته الخفية، و يدغدغ ملكة البوح عنده:
" ينطّق بها السّاكن ف ادواخلك"
و سحر الشعر كان و مازال قويا و شديدا على الأصم و الأعمى، المادح و الممدوح، و على العاشق و المعشوق...
3- شعرية النص: لمّحت الزجالة إلى هذا المقوِّم في قولها:
" بنات الخيال"
و هي إشارة إلى ضرورة الجنوح باللغة من الحقيقة إلى المجاز، و قديما ميّزوا بين الشعر و النظم على أساس هذه اللغة.
و مادام (الشعر= الزجل) اليوم هو أدب النخبة، فلا داعي لتبرير الإسفاف و الابتذال بحجة إفهام المتلقي و إقداره على التفاعل مع النص، و لا داعي للتضحية بالنص من أجل متلق ينتصر للنظم على حساب الشعر.
فمن خلال كل ما سبق يمكننا أن نحدد نوع الكتابة التي تراهن عليها " أمينة الخياطي" لتجعلها وشما لحروفها و حروفا لوشمها؛ إنها كتابة الرؤية، رؤية الشعر هذا الذي يؤثث الهوية، و يعبر عن الكينونة، و يذكي قلق الذات.. إنها كتابة الهوس بسؤال الإبداع و التسامي عن الابتذال...
لكننا نجد الزجالة قد ورطت نفسها في تناقض ملفت للنظر كما تكشف نهاية القصيدة:
قايد سربة الحروف
راوي نضام
سيدي سيدي
شيخ الكلام
فقلّ ما نجد "راوي نظام" واعيا بماهية الشعر و شعريته، بل الشعر عند "النظام" هو كل كلام موزون يدل على معنى، و لو كان غير ذلك لما ميّز شعراء الملحون بين النظام و شيخ الكلام، و شيخ السجية...
فهل الزجالة تنتصر للنظم؟ أم تنتصر للشعر؟
بالطبع تنتصر للشعر بدليل ما توصلنا إليه سابقا، و نربط تورطها ذاك برغبتها في التموقع بين المنزلتين: إرضاء شيوخ النظم الذين تجاوزتهم الشعرية الحداثية، و إعجاب بهذه الأخيرة التي فتحت أفق الكتابة و حررت عنان الشعراء.
يونس تهوش
ورزازات: 07/10/2011