تحية أخوية أدبية فنية
معظم الشعراء الزجالون يظنون أن ممارسة النقد على نصوصهم ماهي الا نكاية فيهم...
ولو لا أن لدي اليقين أن الشاعرة الزجالة أمينة الخياطي ممن تكسر هذا الاعتبار وتعي كامل الوعي أن النقد يضيف قيمة للنص وللتجربة ما كنت لأشغل نفسي في الاشتغال على اشتغالها
والنقد كما أفهمه ليس هو كشف العورات وانما هو اظهار معالم الجمال كذلك...
قبل الدخول أو المرور على أي عتبة كانت تلزمنا الأصول أن نطرق الباب وباب النص وعتبته هو العنوان والذي يحمل عبارة...خيال لعمر... ومفهوم لخيال في اللغة المتداولة هي الصورة الغير حقيقية للشيء...ف خيال لعمر هو صورة غير حقيقية ...لعمر...
ترى هل معنى مدخل النص مطابق لما يحمله النص من معاني...؟
...هذا ما سنكتشفه لا حقا في تفكيكنا لعناصره وسبر أغواره والغوص في مكونات البناء القصائدي والعلاقة التي تنشأ بين هذه المكونات
...لوكان لعمر نجمة ف خيط...
تكفي هذه العبارة الشعرية أن نصفها بوحدة من الوحدات التي تكون الصورة الشعرية.أو يمكننا الاكتفاء بها كصورة شعرية بانزياحها الجميل الذي يضع ...لعمر...كما وكيفا بحجم النجمة. والنجمة بحجم حبة عقيق مرصعة في خيط...ولم أقل...نجمة فخيط كما جاء في السياق الشعري...لماذا..؟ لأسباب بلاغية اعتمدتها الشاعرة...
نعلم علم اليقين وهن الخيط. فهو لا يستطيع حمل النجمة كما يحمل حبة عقيق . وحجم النجمة اذا وقفنا على حقيقة كمها وكيفها.فان تلك النجمة التي نراها مضيئة ترصع السماء كمصباح ضئيل نوره .فمنها من يضاعف حجم الأرض...وهنا زادت كثافة الخيال عن حدها مما جعل ماء الشعرية يترقرق...
كذلك منحتنا الشاعرة الزجالة حالة تشبيه باستعارة جميلة جدا.بحيث أن المشبه هنا هو ...لعمر...والمشبه به...نجمة...ووجه الشبه هو... اللمعان...وأدات التشبيه مضمرة وهي حبة العقيق التي تقمصت حالة النجمة بفعل كثافة خيال الشاعرة وجعلتها تضاهيها في اللمعان وفرضت قوة على وهن الخيط لتحمل كم النجمة بانزياحها الجميل...
فدعوني أقول أن هذا اشتغال الكبار. لا يسعني الا أن أقف للشاعرة احتراما لآليات اشتغالها اذا كانت على معرفة بالأدوات التي تستعمل في هذا الاشتغال
فتصدمنا الأخت أمينة وهي تفند كل هذا الجمال بانزياحاته وصورته الشعرية الرقراق ماء شعريتها حين تأتي بالشطر الثاني أو الجملة الشعرية الثانية...
نهدي لك من النجوم كبات
والمتفق عليه أن الكبات هو جمع كبة والكبة تتكون من خيط طويل ملتو حول نفسه وتسمى هذه العملية عملية تكبيب...
اذن السؤال المطروح والموجه للأخت أمينة هو ...متى غزلت هذه النجوم حتى صارت خيطا أو خيوطا قابلة للتكبيب
وكما اقتحمت غموض الانزياحات...فحري بك أن تغزلي النجوم وتكوني لنا صورة شعرية تصفين فيها غزل النجوم وبعد ذلك يمكنك أن تكببيها في صورة شعرية أخرى ثم تقدميها لنا في سياق شعري مقبول
لو كان لعمر بسمة ف الوجه
نجمع لك لي ما يتم من ضحكات
هنا خرجت الشاعرة الزجالة من فضاء الخيال الى فضاء التخييل فغادرتنا الشعرية...رغم أنه تخييل سليم شكلا و مضمونا...فاننا سنتمسك بالتأويل لاتمام ما بدأناه .
فالعمر مهما طال لا نحسه الا لحظة وجيزة يحددها زمن الابتسامة بمعنى أن عمر العمر هو لحظة ابتسامة...
نجمع لك لي ما يتم من ضحكات
هذا كرم يبرز سخاء الأنا الشاعرة اتجاه الأنا الآخر أو الذات الآخر...وجمع اللانهائي من الضحكات فهذا عمل مضن ويتطلب مجهود جبار ينم عن قوة هذه الأنا ويبرز كذلك الي أي حد يمكن لهذه الأنا أن تعطي بسخاء وبلا من . وهي أنا أنثى ومن المفروض أن تأخد . وكدليل على هذا التأويل هو أنها خاطبت الأنا الآخر ثلاث مرات في ثلاث أبيات...نهدي لك...نجمع لك...ثم نتسلف لك
لو كان لعمر ضو قنديل
نتسلف ليك ضي الشمس
من نهار لي بدات
هنا يرد السؤال التالي...فاذا كان العمر هو ذاته ضوء وينتج الضوء كما ينتجه القنديل فما حاجته لضوء الشمس والحاجة للضوئين لا تتجاوز الانارة...فالتعبير الشعري لأمينة الخياطي هنا ذكرني في تحديد المفهوم الكلاسيكي للشعر عند قدامة بن جعفر...أن الشعر قول موزون مقفى يدل على معنى... وهذا ما لم أجده هنا بحيث أن هذا القول لا يدل على معنى.
فتعود لتودعنا هذه الشاعرة بتعبير شعري يحمل أهم مقومات الكتابة الشعرية وهي البعد الرسالي والصورة الشعرية
الساعة لعمر...لحظة
مازال ك يقلب فين تبات
عقارب المعنى تشير الى أن هنا حسرة دفينة في أعماق الأنا الشاعرة على هذا العمر الصغير الضئيل القليل والذي لا يتعدى زمنه لحظة ولازال يبحث عن مكان التبييت... فصغر وضئالة الشيء تنزع منا الشفقة والشفقة هي أدات تحبيب والشيء الحبوب لدينا لا نختار له أن يبيت الا في كنف أو حضن يعطف عليه...الا أن هذا العمر الذي تشفق عليه هذه الأنا لازال يبحث عن كنف يمنحه الاستقرار ويحس فيه بالعطف...فتلك النقط الثلاثة التي وضعت بين لعمر ولحضة تفيد استرجاع النفس عند الحكي أو التنهيدة التي تزكي الحسرة الدفينة وهذا البحث هو عملية ترهق وهذا الارهاق هو نتاج مجهود جبار كفيل أن يشفع لشاعرتنا هنتها وكبوتها الشعرية