رابط المقال
http://marocnew.net/?op=suite&art=236تقديم : نقترح على قراء المغرب الجديد التعرف على تجربة زجال مغربي اسس تجربة متميزة في الزجل المغربي ،انه الزجال المغربي المتميز : ادريس بن العطار ، من مواليد 1960 بالشماعية ، استاذ التعليم الابتدائي، عضو مكتب الاتحاد المغربي للزجل حاليا ، فاعل جمعوي في عدة اطارات محلية ووطنية، صدر له ديوان :" عيوط امهاني" سنة : 2005،لديه 3دواوين جاهزة للطبع.. لكم متعة المتابعة
عبد الجليل لعميري/ زكريا مهيمدة
تقديم : يسعدنا ان نستضيف احد الوجوه الإبداعية العزيزة علينا ، وجه ابى الا ان يتنفس هواء نقيا يخرجه من جو الرتابة ، الذي نعيشه في احضان هذه المدينة ...القصبة الشماعية. فاليكم ، قراءنا الاعزاء ننقل اجواء هذا الحوار الشيق مع الاخ الزجال المبدع الاستاذ ادريس بن العطار الذي ابى الا ان يشركنا في همومه الثقافية ، في زمن اصبح فيه الابداع ، والانصات الى صوت الكلمة الدالة والمعبرة ، مغتربا ، واصبح صوت المبدع يتغنى وحيدا ضد كل اشكال الوعي البائس.....
*س : بداية ، يسعدنا الاخ ادريس بن العطار ، ان نجدد لكم الترحاب والشكر على قبولكم دعوتنا للنزول ضيفا على هذا المنبر ...
* ادريس بن العطار :الشكر موصول لكما على هذه الدعوة الكريمة ...
* س : ماذا لوسافرنا ، الاستاذ ادريس ، في مفتتح هذا الحوار ، بذاكرتكم الى لحظات البداية و الوله او التعلق بهذا الفن الشعبي ، لنستكشف معكم كيف جاء ارتباطكم بالزجل كتعبير مغربي اصيل ؟
* ادريس بن العطار : بدايتي مع الزجل ولدت في حضن الام ، التي كانت توظف الهدهدة والمناغاة لاسكات وطمانة صغيرها . مرورا بمرحلة الطفولة ، من خلال اشكال اللعب التي كنا نمارسها ، والتي تتغنى بقصائد واشعار ، تحضرها الايقاعات الطربية ،و ايضا من خلال الاستئناس بسماع الاهازيج و الاحتفالات المحلية اثناء الافراح ، وفي ايام الاعياد والمناسبات،والتي تبقى رافدا غنيا من روافد التراث الشعبي . ومع تقدم العمر انصهرت مع الظاهرة الغيوانية في سبعينيات القرن الماضي، ايام المرحوم بوجميع ، وبعده الراحل العربي باطما والمجموعة...والتي كانت معبرا حقيقيا عن امال وانتظارات الانسان المغربي ابان تلك اللحظة التاريخية ،حيث وجدت في هذا الفن الذي توسل لغة العموم او العامة ، معبرا حقيقيا عن احاسيسنا الصادقة بدون تصنع.
هذا وقدت بلغت درجة تاثري بناس الغيوان ، في تلك الفترة ،حد محاولتي محاكاة تجربتهم بانشاء مجموعة غنائية بمعية بعض الاصدقاء..اخترنا لها اسم : شموع القصبة، التي كنت اقوم فيها بدور كاتب الكلمات..
* س :بلا شك انكم في مساركم الابداعي قد تاثرتم ببعض الرموز اوالاعلام الذين دمغت اقوالهم واشعارهم الذاكرة الشعبية من خلال الملفوظ الشفهي، فمن هم الرواد الذين تاثرت بهم في مسارك الابداعي وفي تكوينك الشخصي ، بحثا عن ااتبات الذات والانتساب الى الزجل ؟
* ادريس بن العطار : المبدع كمبدع لا يمكن ان يولد من فراغ ، بل هو في جوهره وتكوينه مختبر لتجارب انسانية وفنية متعددة اذ هو مفرد لكن بصيغة الجمع ان شئت القول . وفي هذا السياق اجدني متاثرا باقوال سيدي عبد الرحمان المجدوب ، وبسيدي قدور العلمي ، شعر العيطة بكل تلويناته ، تراث كناوة بجميع تجلياته ، مع الانفتاح ايضا على تجارب بعض الاخوة العرب ، كتجربة : العظيم احمد فؤلد نجم ، وبيرم التونسي ، وعبد الرحمان الابنودي... وغيرهم ...
* س : الاخ ادريس شكل ديوان ( عيوط مهاني) علامة بارزة في مشهد الكتابة الزجلية بالمغرب ، وذلك بشهادة العديد من النقاد والدارسين ، فبفعل المضامين القوية وحنكة الاشتغال والتوظيف المحكم لقاموس نوعي وخاص ، الشئ الذي اتاح له تحقيق سلطة المتعة كما يقول الناقد الفرنسي "رولان بارت". فهلا قربتنا من الحيثيات والظروف التي جاء فيها هذا المنجز الزجلي ؟
* ادريس بن العطار: عيوط ام هاني كديوان ، وحتى نكون صرحاء مع بعضنا ، انهيت متنه الشعري سنة 1998، ولكن لظروف خاصة تبقى مادية بالأساس ، رأى النور سنة 2005، هذا العمل الذي جاء بفضل التشجيع والتحفيز المعنوي من قبل بعض الإخوة و الأصدقاء ، من داخل الرابطة المغربية للزجل( سابقا) ، او من خارجها ، والذين الحوا علي كثيرا بضرورة نحت اسمي في الساحة المغربية ، من خلال إصدار يؤرخ لذلك .هذا ويبقى الهم الاساسي والدافع المصيري للخروج بهذا العمل على الرغم من كل الاكراهات ،هو تفضيل البعض من المحسوبين على قبيلة الزجالين عندنا الاشتغال على ( لقصيدة الزجلية) انطلاقا من لغة هجينة وسطى بين العربية والعامية ، يسمونها ب: الفص/عامية ، والتي لا تعبر صراحة عن غنى وتعدد روافد شخصيتنا الثقافية ، باستحضار المأثور في أشكاله المختلفة ، والتي تعبر عن كل الحساسيات والبنيات الاجتماعية تجاوبا مع لغاتنا الأصلية/ الأصيلة. هذا مستوى اول يقف بنا فقط عند دواعي اختياري لهذا الاصدار ، اما بالنسبة للبناء العام للديوان فيتأسس في عمقه على رؤية متجددة للقصيدة الزجلية دون اغفال الموروث من موازيين القصيدة الكلاسيكية التي يظهر حضورها جليا من خلال قصيدة ( ضاعت م لعيوط عتبة)، في رثاء فقيد العيطة الحصباوية بامتياز الفنان : امحمد الدعباجي ، هي رؤية متجددة اقول من حيث انها تنبني على المزاوجة بين الاصيل ، على مستوى الميزان و المعجم ، والحديث من حيث تشكيل الصورة والاعتماد على الدراسات النقدية الحديثة بصفة عامة و الدراسات النقدية للشعر بصفة خاصة.
* س : ارتباطا بالسؤال السابق ما السر في هذا الانكفاء على الذات وعدم الخروج باصدارات اخرى لاحقة للديوان الاول ؟ فهل هي وقفة لاسترجاع الأنفاس ، ام ان القيمة الادبية لديوان ( عيوط ام هاني ) تستدعي منكم اخذ حيز وافر للتفكير والاشتغال بروية قبل العزم على إصدار ثان؟
* إدريس بن العطار: لا يتعلق الأمر بانكفاء او وقفة ما دام الإبداع رسالة ومسؤولية ملقاة على عاتق كل مبدع ، لا تترك له فرصة السير على إيقاعه الخاص او وتيرته الذاتية ،وفق شروط يختارها ، بقدرما انني اعاني ،كما يعاني اغلب المبدعين على اختلاف انتماءاتهم الأدبية ، من أزمة الدعم المادي الكفيل بضمان الخروج باعمالهم الى حيز الوجود ، وانا لا أخفيكم سرا ان قلت لكم انني بصدد الانتهاء من الديوان الخامس ، في الوقت الذي مازلت ابحث عن السبل الكفيلة لاخراج ديواني الثاني الى النور في القادم من الأيام.
* س : في سياق البحث عن محتضنين او داعمين من شانهم نشر اعمالكم المخطوطة ، هل طرقتم ، استاذ بن العطار ، أبواب بعض المؤسسات : البلدية ، العمالة ، مندوبية الثقافة ،مؤسسات خاصة ...لطلب الدعم من اجل تخفيف اعباء الطبع عليكم ؟؟
* إدريس بن العطار: ان الحديث عن فكرة الاحتضان التي اتيرت في سؤالكم ، تبقى رهينة الشروط المجتمعية التي أفرزتها في الدول المتقدمة ، والتي تنظر الى الثقافة باعتبارها هما اساسيا وخدمة عمومية ، ينبغي السهر عليها وضمان بلوغها كرسالة حضارية الى المواطنين ، اما عندنا فنحن مازالت الهوة السحيقة بيننا و بين تبني هذا النوع من التفكير ، بحيث انني ، وحتى أضعكم في الصورة ، قد طرقت أبواب مجلسنا البلدي الموقر الحالي ، قصد التنسيق والتفكير في إطار شراكة لإصدار الديوان الثاني المعنون ب( خاص لمداد بحر) ، دون ان استطيع ، الى يوم الناس هذا ، من رؤية هذا العمل خارجا في شكله النهائي الى حيز الوجود...هذا ولا يفوتني ان انوه بالمجلس البلدي لشيشاوة ، الذي ابدى فيما قبل موافقته المبدئية لطبع هذا الديوان . إلا أنني وبمعطى انتمائي الى هذه الارض العزيزة اثرت ان تكون البادرة من قبل ابناء بلدتي عبر مجلسهم البلدي ، لكن تجري الرياح بما لا يشتهيه السفن...
* س : الاخ بن العطار لكل مبدع ، كان شاعرا او قاصا او روائيا ، عوالمه الخاصة ، فما هي الطقوس التي تحيط بظروف الاشتغال المرتبط بابداع القصيدة الزجلية لديك ، والتي تكون في نهاية المطاف ترجمة صريحة للكشف عن المخفي الذي يصبح معلنا بيننا ؟
* إدريس بن العطار: ليست لدي اية طقوس خاصة او فريدة أتقيد بها عند الاعتكاف على انتاج ( لقصيدة)، بقدر ما اجدني ضابطا لإيقاعات العيطة الحصباوية أداء و نغما ، ومن حيث الموازين او ( لقياسات) كتعبير ادق ، الى جانب حضور التمثل الفني لإشعار العيطة بالإضافة الى ضبط تكناويت بإيقاعاتها والحانها ، دون ان ننسى الاهازيج المحلية لمنطقة احمر : اعبدات الرمى متعددة الأشكال ( لهوير/ أولاد مني /أولاد إبراهيم /خوت بوجمعة...) ، هذه الثروة الثقافية والفنية التي تبقى ايلة للانقراض ، بفعل التهميش والإقصاء من طرف الجهات المسؤولة ، والتي من المفروض فيها السهر على حماية الذاكرة الجمعية ،في إطار احترام الخصوصيات المحلية الضامنة لجدلية التعدد والوحدة. وهي مناسبة لان نوجه دعوة من هذا المنبر ، الى كل من يهمه الأمر ، بضرورة الاهتمام والاعتناء الجدي بهذاالتراث الحمري المتعدد، ان على صعيد الفولكلور او الأهازيج او القصائد الغنائية التي ينبغي ان تحفظها الذاكرة الثقافية تاريخا واداء.
* س :مادام الحديث قد حط بنا الرحال في عوالم ( القصيدة الزجلية)، فما هي الخصائص الفنية والنوعية التي تحكمها ؟وهل تتشابه مع الشعر الفصيح ؟
* إدريس بن العطار: قبل الدخول في الحديث عن الضوابط الفنية ،ينبغي ان نستعمل ، على مستوى المفاهيم ، مفهوم ( الشعر باللغات المغربية) ، المتمثلة في : الحسا نية والامازيغية ولغات السهول ..( او مايسمى باللغات المحكية او الأصلية)،كبديل لتعبير ( القصيدة الزجلية)..هذا وتبقى مسالة التقسيم التي طرحتها في شؤالك ( الزجل / الشعر الفصيح)، قابلة للنقاش ، مادام يصعب علينا الحسم في طبيعة ( الشعر الجاهلي ) في حد ذاته ، وذلك من خلال طرح اشكال التجنيس/ التصنيف : هل القصائد الجاهلية هي زجل ام شعر فصيح؟ وحتى نقرب الفكرة اكثر نتوقف عند مثال (شعر امرئ القيس) ، ونطرح التساؤل : هل امرؤ القيس شاعر يتكلم لغة عربية فصحى أي منمطة ومقعدة سائدة انذاك في كل القبائل والامصار العربية ، ام انه مرتبط بنظام لغوي وثقافي ورمزي تابع لتشكيلة نظامه الاجتماعي القبلي باعتباره راسمال رمزي ثقافي لمخياله ؟؟؟؟؟
وللخروج من هذه الدوامة التي تحمل في طياتها أزمة مفتعلة ، اقول بان : الزجل هو شعر محكي وكفى ...يختلف عن الشعر الفصيح من حيث اعتماده لغة تحكمها السواكن بدل الإعراب ... مرد ذلك الى التاثر باللغة الامازيغية ...هكذا نقول في اللغة المغربية الدارجة :خرج ( بتسكين الخاء والجيم ) ، بدل : اخرج ، او شجره( تسكين الجيم ) بدل شجرة ( بفتح الجيم ).
اما عن الخصائص المميزة للقصيدة باللغة المحكية ، فنجدها تخضع ( لقياسات ) كثيرة منها : لفراش و لغطى ، والثلاثي في العيطة ، مثال : لقليب تقصح ** كيبكي بالصح .
نلاحظ من خلال هذا البيت الذي يخضع لقياس لفراش و لغطى ، ان عدد حركات الشطر الاول ، هي بعدد حركات الشطر الثاني، كما اننا نجد علاقة عضوية مابين الإنشاد والكلام الملفوظ في العيطة و الملحون .
هذا ويحاكي ( الزجل المغربي المعاصر ) او الشعر المعاصر باللغات المحكية تجربة الشعر العربي الحديث او المعاصر ، التي نجد لها صدى في تجارب مجموعة من الشعراء المغاربة ( الزجالة )، بفعل عملية التجديد و المثاقفة التي تتلخص في : المزاوجة مابين التراث اللفظي ، والانفتاح على الدراسات الأكاديمية الخاصة بنظريات الشعر الحديث.
* س : يشكل الكلام الدارج و معه القول المأثور ،أساسيات بناء " لقصيدة الزجلية" ، فكيف ياتي اختياركم للمعجم ؟ وهل هناك قواميس خاصة جامعة ، تساعدكم على تشكيل القصيدة ؟ام ان الامر يقتصر على جهد خاص للشاعر الزجال في البحث عن المعاجم واختيار المناسب منها؟؟
* إدريس بن العطار: مسالة القواميس الخاصة غير موجودة حسب علمي المتواضع ، وليست حاضرة في اذهان المهتمين بالتاريخ الثقافي ، وهذه مناسبة ، ما دامت جاءت على لسانكم ، لتوجيه الدعوة لهؤلاء البحاثة والاكادميين من المولعين بالدراسات اللغوية ، قصد التفكير في إعدادها حفاظا على الذاكرة وإنقاذا لها من الضياع ..
امام هذا المعطى المعبر ، يبقى الجهد و البحث الخاصين من قبل الزجال / الشاعر في ثنايا الالفاظ والتراث الشفهي ، الطريق الوحيد الى إبداع القصيدة .. ، وهنا قد تكون المفاجأة في قولي : فعندما اتامل كباحث عن الكلمة وكمستكشف للغة منطقة احمر ، اجد نفسي اقف على حقيقة جوهرية : انها لغة فصيحة الطابع ..واليكم المثال : يقول الحمري من داخل نسقه اللغوي الدارج ( فلان رجع ل ديدانه) ، وفي العبارة الفصيحة نجد نفس المعنى فلان رجع الى ديدنه)'الفرق واضح في طريقة النطق حيث تطغى السواكن في الجملة الأولى وتخضع الثانية للاعراب'.
فالهاجس لدي من خلال تجربة الحفر و البحث والاستكشاف في المعجم المحلي ، يظل هو البحث عن المنقرض او الايل للانقراض ، بغرض توظيفه في سياق معين ، مما يجعل هذا المعجم مفهوما ومقبولا وخفيفا على الاذن ، بشكل يسير ضدا على اشكال التنميط التي يراد فرضها على العمل الإبداعي ، من قبل ثلة من الزجالين ، ولو بشكل خفي ، خدمة لبت إيديولوجيا معينة .
* س : الأستاذ بن العطار ، كثيرا ما يتبادر الى الأذهان الخلط ما بين الزجل وقرض الكلمة الغنائية في : الملحون ، الشعبي ، الكناوي..هلا وقفتم معنا عند الصلات التي من شانها ان تربط بين الزجل / الشعر باللغات المغربية وهذه الالوان الغنائية /الموسيقية؟
* إدريس بن العطار : هذا قول مردود علي أهله ، ما دام العكس هو الصحيح في الاشكال المطروح ..فالكلمة الغنائية هي التي تصل منتهاها عندما تأخذ طابع ( القصيدة الزجلية)/ قصيدة اللغات المحكية وليس العكس .فالغناء ما هو الا مقوم من مقومات القصيدة الزجلية الحديثة) ، ما دامت التقنيات و الادوات الفنية المبتكرة قد وصلت بنا الى حد إمكانية التغني بالكلام العادي والمباشر ،دون استحضار المقاييس والموازيين التي تشترطها القصيدة الزجلية )..هو اشتغال على مستويات متعددة ، يبقى الغناء او الموسيقى بعدا واحدا منها فقط...
* س : قطع الزجل او الشعر باللغات المغربية في فترتنا المعاصرة أشواطا كبرى ليجد لنفسه مكانا بين مختلف الألوان والفنون الإبداعية ، كيف تنظرون الى هذا المعطى ؟ والى ماذا يعود السر في هذا الإشعاع بعد المعاناة واشكال التهميش التي لاقاها من قبل ؟
* إدريس بن العطار : شئ ايجابي جدا ان يجد الزجل لنفسه مكانة وآذانا صاغية في وقتنا الحالي ، وان كانت الطريق مازالت طويلة أمامه لتحقيق ذلك الطموح الذي ننشده جميعا ، سواء كمبدعين من داخل تجربة هذا الجنس الادبي الاصيل ، أو كمتتبعين لجديد الساحة الأدبية ،التي نتطلع عبرها الى تجارب نتذوق فيها جمالية الصوت و الكلمة المعبرة . وفي هذا الصدد لا مانع من التذكير ، وبعجالة ، بالمسار التاريخي للقصيدة الزجلية بالمغرب ، والتي ظلت طيلة فترة السبعينيات ، أداة طيعة عند السياسي لتمرير خطاب معين وتكريس ممارسة مجتمعية ذات مواصفات محددة ، هذا المعطى الذي لا ننقص من أهميته ومن فضله عليها في تلك الفترة من تاريخ الزجل المغربي ، لكن يبقى ان نقول : انها استنفدت اطرها المرجعية وإمكانياتها بانقضاء تلك المرحلة المعينة ( فترة السبعينيات )، لتبدا ، مع الثمانينيات وبداية التسعينيات ، مرحلة البحث عن الذات بالنسبة للقصيدة الزجلية ، بعيدا عن توجيه وإغراء السياسي المباشر ،حيث اصبح الهاجس الابداعي هو الأساس والرهان المنشود .لكن تبقى الرابطة المغربية للزجل(سابقا) محطة أساسية في تبيئة القصيدة الزجلية ، ومنحها مكانتها الاعتبارية ، من خلال أعمال صفوة نيرة من المبدعين الذين حملوا على عاتقهم مشعل القصيدة الزجلية المكتوبة بحساسيات جديدة ، هذا الى جانب التفاتة البحث الجامعي الأكاديمي ، إلى القصيدة الزجلية في شكلها الحالي الجديد ، الشئ الذي شكل بالنسبة لها قيمة مضافة على مستوى إشعاعها من جهة ، وأيضا على مستوى الارتقاء بها الى مستويات راقية من جهة أخرى. ونراهن حاليا على اطارنا الجديد الاتحاد المغربي للزجل للاستمرار في خدمة الزجل المغربي نحو الافضل..
* س :أستاذنا الكريم ، قد لا تخالفنا الرأي إذا ما اترنا معكم الانتباه الى اهمية التواصل مع المتلقي من خلال الملتقيات الثقافية والصالونات الادبية والمهرجانات الفنية باعتبارها مانحة الإشعاع للزجل ومقربة المبدع من جمهوره ومحبيه ، فما هي نوعية حضور ابن العطار على صعيد مجمل المحافل الوطنية ؟
* ادريس بن العطار : الوجود الحقيقي للزجل مرتبط بهذه الملتقيات والمواعيد الثقافية التي تتيح لنا فرصة التواصل المباشر مع المتلقي ، الذي يحقق نفسه اكثر عند سماع ( القصيدة الزجلية) مباشرة من الزجال وهو امر مختلف عن قراءته المنفردة لها . ومن تم كنت اسهر من داخل الرابطة المغربية للزجل سابقا والاتحاد المغربي للزجل حاليا ، على حضور كل الأنشطة المنظمة من طرفهما ، على الرغم من الاكراهات العائلية و انشغالاتي المهنية التي تخضع لبرنامج زمني مضبوط ومحدد...هذا وقد شاركت ، ايضا ، في العديد من الايام التكريمية الخاصة ببعض الوجوه المعروفة على الساحة الادبية بالمغرب ، مثل الأستاذ القاص احمد بوزفور ،في مهرجان عربي بتازة ، وتكريم الدكتور عباس الجيراري بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة ، والباحث احمد سوهوم المختص في دراسة الملحون بالصويرة ، وغيرها من الايام التكريمية الخاصة بالعديد من الفنانين والمبدعين المغاربة ، الشئ الذي اتاح لي فرصة زيارة اغلب المدن والاقاليم المغربية ، والتي تكللت بعقد صلات صداقة اخوية مع العديد من الفعاليات التي اعتز بصداقتها ايما اعتزاز.
* س : الاستاذ بن العطار ، اثمر حضوركم لبعض الامسيات والايام الثقافية ، وخصوصا ببعض المؤسسات التعليمية ، بداية ظهور جيل من المبدعين الشباب الذين ابدوا رغبة كبيرة في السير على درب بن العطار في هذا الميدان ، ماذا يمثل لكم هذا الاختيار ؟ وما هي الكلمة التي تودون تقديمها اليهم في هذا الباب؟
* ادريس بن العطار : انا اجدها مسالة طبيعية تدخل في اطار تبادل التأثير والتأثر ما بين الأجيال ، ولعل في تلك المناسبات التي اتاحت امكانية اللقاء بالمبدع مباشرة حافزا معنويا بالنسبة لهم قصد الادلاء بدلوهم في هذا المجال ، للانتقال الى مرحلة التجريب . ومن هذا المنبر المحترم ، اود ان احيي هؤلاء الاخوة والاخوات ، الذين اعتقد ان بعضهم سوف يكون له صوت مسموع في القادم من الايام، اذا ما انخرطوا في العمل بمسؤولية و جدية مطلوبتين ، و عدم استسهال ( القصيدة الزجلية ) التي تقتضي اشتغالا كبيرا على مستوى الملفوظ وعلى مستوى التيمات التي تسعى الى ان تعبر عنها.
وككلمة اخيرة اقول لهم انه ينبغي الا يشكل لهم الخروج الى الجمهور غاية في حد ذاتها ، بل الاهم هو ما سياتي بعد والذي يتطلب منهم الصبر والاناة و العمل الذؤوب و المتواصل ...
* س : شكرا لك الاخ ادريس بن العطار على هذه الجلسة الابداعية الشيقة ، والتي سافرت بنا عبر دروب الكلمة و الكلام المبدع ... ولنترك لك مساحة حرة في افقها القارئ العزيز ...
* ادريس بن العطار : احييكم الاخ زكريا والاخ عبد الجليل على هذه الالتفاتة الكريمة ، ومن خلالك احيي كل قراء هذا المنبر الاعلامي ، الذي جعل من الثقافة عنوانا بارزا وموعدا قارا اتمنى له الدوام والاستمرارية والنجاح ، لكن قبل ان نختم حوارنا هذا ، اود ان الفت الانتباه الى نقطة حاسمة ، يبدو لي اننا لم نتطرق لها بالشكل اللازم ، تتعلق بتجديد اللغة العربية ، فالرهان الكبير يرتبط في اساسه وعمقه ، بالانفتاح على لغاتها المحلية ، قبل الاجنبية ( التعريب من لغات اخرى ..) قياسا على ما تفعله اللغات الاجنبية في علاقتها مع لغاتها المحلية ( انموذج الانجليزية والفرنسية..)، بل اكثر من ذلك فاللغة العربية ينبغي عليها ان تاخذ العبرة من هذه اللغات العالمية التي سبقتنا في التعايش والتفاعل مع لغاتها المحلية....
اعد الحوار واجراه : زكريا مهيمدة/ عبد الجليل لعميري -الشماعية ( اكتوبر 2011).