علي مفتاح
زجال التعالي والسمو
(ما عرفت منين نشدك ؟ ولا منين نبداك ؟ !!!)
كان لي الشرف أن استمعت بهذا النص الزجلي الرائع وأنا برفقتك بالرباط نتقاسم كأس حديث شيق حول آفاق القصيدة الزجلية المغربية، فجاءت قصيدتك "ذك من معدن الكانة" سكرا يذوب في مهجتي حتى أنساني أن أمامي كأس قهوة على الطاولة ينتظر مني رشفة على الأقل.
سافرت معك يا علي سفرا حالما بوجدان حالم ....
أصيبت بدهشة، أعلنت لك عنها في حينها.
ها أنا مرة أخرى أصاب بصدمة وأنا أقرأ نصك منشورا في زهوه وروعته وعلى ﮔانته أو على ﮔانتك أنت.
النص الذي لا يصدم القارئ بعمقِ صورِه ودلالاته يبقى نصا عاديا .. فارغا...
في قصيدة "ذك من معدن الكانه" بناء بويتيقي هرمي مثير يأخذ فيه الإيقاع الداخلي بعدين متجانسين في البنية العامة للمتن، خالقا بذلك تلازما وتناغما حد التوحد، ليمنح لنا لذة من نوع خاص لا نعتر عليها إلا في نصوص" أقواس السجية " أو "فحول لقريحة ".
سيساهم هذا البناء الإيقاعي في القصيدة بحس ووعي في تنامي البعد الدلالي والجمالي على حد سواء، ليغوص بينا في أعماق المتن: ذات الزجال.
حتى لا نبتعد، لنحدد الإيقاعين :
الأول : التكرار
ببعده الجمالي يشكل إيقاعا في حركية ودينامية تطفي على النص هالة تتسع على طول القصيدة.
الكانه : 10 مرة + كانتي : 21 مرة
هذا التكرار سيعمل على رفع الغنائية في المتن.
الثاني : الإيقاع الغنائي
ينساب زلالا من تفاعل وجداني ابتعد فيه الزجال عن لغة السكون والابتذال ليبتكر لغته الخاصة من بنيات مسكوكة وتأملات تخيلية شاعرية تنبني وفق رؤية جمالية يعانق بها الزجال آفاق الحداثة التي نسعى تجاوز عتبتها. سر الزجال في ذلك هو اعتماده على الإيقاع الداخلي كما أسلفت الذكر : التكرارية والغنائية.
يقول أدونيس في هذا الصدد : التناغم الحركي الداخلي هو جوهر الموسيقى في الشعر.
لن أغفل عنصرا موسيقيا أخر ساهم إلى جانب الإيقاع الداخلي في الترنيمة الزجلية للمتن، هو القافية. حيث تقوم هذه الأخيرة بدورها الفاعل لتأتينا القصيدة متكاملة بصور غير مدركة من قبل اجتهدت فيها مخيلة الزجال، فاستطعت صورها أن تنفد إلى أعماقنا بلذتها وسحرها …
تصبح للكانة أو لكانتي في المتن أكثر من معنى بقدر ما لهما من وظائف، حيث يتحولان من وسيلة إلى غاية بعد إفراغهما من محتواهما القديم وشحنهما بالمشاعر والأحاسيس والدلالات الجديدة لتصبح القصيدة « أداة لتحرير الكلام ، وتجديد علاقات الإنسان مع ذاته ومع الأخرين ومع العالم »، على حد تعريف بوركوس.
الصور
يأخذنا الزجال في تأملاته الذاتية الحالمة إلى أبعد إمكانات الحلم والابتكار ليمنحنا صورا باذخة في نسيج تخيلي، صورا تأنس لبعضها البعض، برع الزجال في تشكيلها تشكيلا بديعا بدقة وسحر متناهيين، لتمنحنا القصيدة بذلك وبكرم إبداعي جمالية التلقي وهي تحيلنا على عوالم صاحبها الداخلية ...
أسوق بعضا منها :
نفصل ظلي كيف تشهات فهامتي
ننقص من كم عمري عوام / و نزيد ف سلهام كانتي
يصدمني توب كانتي لمزوق بالذنوب
نعكز بي و نوصل لي
نشعل الراس يطفى القلب
نلقى راسي خارج من كانتي
موسد رياح غرايبها
..............................
عموما "ذك من معدن الكانه" قصيدة تثير فينا نوازع الابتكار والجمال ملبية متطلبات القصيدة الزجلية التي نراهن على كتابتها.
قصيدة نصادف فيها اندهاش جمالي يعيد الزجال فيها إنتاج ذاته عبرها وهو يتسامى لغاية أكثر زجلية.
في ختام هذه القراءة العاشقة أود أن أؤكد :
يبقى الزجال علي مفتاح مبدع التحديات والتعالي والسمو فوق القمم ...
هنيئا لنا بهذا المتن وهنيئا لخدوم الزجل بما حققه.
ادريس أمغار مسناوي
تيفلت 17 / 08 2010 م