[rtl] ديوان " شمس الما" كتابة بالحواس وكتابة للتأمل [/rtl]
[rtl] للزجال احميدة بلبالي [/rtl]
[rtl] ديوان "شمس الما "للزجال احميدة بلبالي الذي صدر عن مطبعة طوب بريس 2011 هو التجربة الثالثة في المسار الإبداعي لرجل يشتغل بتأن، ينضج نصوصه على نار هادئة إذ بين كل إصدار وآخر مسافة زمنية كمساحة لإعادة النظر في آليات الكتابة ومدى تعبيرها عن الرؤية التي يطمح بلوغها ومدى خدمة عناصر النص للجمالية التي يبتغيها ، ومن هنا نذكر "لسان الجمر" 2004 ، "الرحيل فشون الخاطر" 2008 "فشمس الما" 2011 مما يعني أن الرجل يحترم الإبداع ويظل مسكونا بسؤال الحرف وهاجس المعنى وهذه أول ملاحظة حول ديوان" شمس الما "كونه منشغل بهذا القلق الداخلي الذي يسكن الزجال احميدة بلبالي ، فيكاد لا يخلو أي نص من نصوص الديوان من هذا اللعب بين هرم الكتابة عنده ، ثالوث الحرف والمعنى والبياض، في قصيدة "ريوس المعنى" وفي حروف الأبدية و "سر الشعى" ،و"يد الشوق" وفي قصيدة "سال الحجر إلا هدر" قراءة ص 115 و 116،[/rtl]
[rtl] إن هذا القلق تجاه الحرف والمعنى يقف خلفه رجل يفكر في الذات والوجود ويفكر في جنس الزجل ذاته في ظل مشروع مفتوح على أفق الاستمرار في الاشتغال على مشروع خاص به ، سيظل سؤال المعنى كينونته المتجددة كي يستمر فيه فعل الإبداع ، وفي الآن نفسه تعبيرا عن هاجس آخر يوازي القلق تجاه المعنى وهو سؤال لغتنا العامية حول مساحاتها الممكنة للإبداع خاصة وأن مجالات توظيف عاميتنا المغربية فشلت في تقديمها على أنها لغة لها من المساحات الممكنة لتقديم مجتمعنا بشكل أكثر رقيا وأكثرا تعبيرا عن حالاتنا الوجدانية والاجتماعية كما في السينما والمسلسلات و الإشهار والأغنية وكل الوسائط السمعية البصرية ، من هنا تأتي هذه العناية الخاصة باللغة وتقديمها كمختبر لكيمياء العامية ومدى قدرتها على استيعابنا كذوات لها رؤيا للعالم ،هي لغة ممكن بها الإبداع بصيغة أكثر جمالية بل الأكثر اكتمالا نحو الجمال وهو ما يفسر اختيار الزجال احميدة بلبالي قصيدة ريوس المعنى كأول نص يستهل به المتلقي العوالم الشعرية له ، وأعتبر هذا النص تمرين مختبري يؤكد من خلاله الزجال شساعة الخيال وصناعة الزجل ، فلفظة رأس تولد عنها نص بواحد وعشرين مقطع أو شذرة شعرية مع الإشارة إلى المقطع او الشذرة عشرين تولدت عنها مقاطع ثلاث أخرى , ريوس المعنى هي راس الدرب ، راس الحانوت ، راس السوق ، راس العام ، راس الجبل ، راس الخيط ، راس العين ، راس لمحاين ، راس الما ، راس الحربة ، راس لحمق ، راس المال ، راس الجمل ، راس الجمال ، راس الشهر ، راس الحية ، راس الكدية ، راس الطنك ، راس اليتيم وهكذا ـ[/rtl]
[rtl] إلى جانب هذه الاحتفائية بلغتنا العامية في شقها العربي نجد حضورا خاصا للغتنا الأمازيغية التي حضرت في شكل حوار مع الأولى إذ في قصيدة "إزوران " يوظف الشاعر بشكل سلس وبطريقة تجريبية إمكانية توظيف اللغتين معا بطريقة تخدم المعنى وتحافظ على إيقاع النص ونفسه ، أو ربما هو بصيغة أخرى إعلان أدبي فني زجلي عن هوية الزجال احميدة بلبالي في بعدها الثقافي الأمازيغي، وعن احتفاليته بالثقافة الأمازيغية وعن أجواء الحياة الأمازيغية بنفس قصصي حكائي جميل ومن خلال قصة حب انتهت بالوجع والفراق وإعلان التحدي عن صمود مشاعر الوفاء وفي ذلك وظف الشاعر مقاطع لأغاني أمازيغية ترجم بعضها إلى اللغة العربية الفصحى ، [/rtl]
[rtl] قال الشيخ لن أرحل [/rtl]
[rtl] لدي من السلاح أشده [/rtl]
[rtl]كالرضيع لن أنام [/rtl]
[rtl]حتى أتمكن من ثدي [/rtl]
[rtl]من أبتغيه ص 62[/rtl]
[rtl] الزجال احميدة بلبالي يحتفي بالبحر كما الشمس والماء والريح والجبل والغابة وكل الأشياء التي لا تعني في الوجود الزجلي له إلا عالم من عوالم الروح والمعنى والتأمل ، هي عطر الكتابة وعينها ، هي القلب الشاكي ، هي ألوان التعدد لتمظهرات الذات وانتشارها على جسد القصيدة متأملة ، مسافرة ، قلقة ، متسائلة ، متحاورة مع ذاتها ومع المطر والشمس والتراب والزهر والنحل ، هي موضوع القراءة وهي موضوع الكتابة التي تفجر ما في الذات من ألم وحرقة السؤال من إصغاء ورؤيا وقول وشم هي كتابة بتوظيف الحواس والأعضاء التي تنصهر في ثالوث الهرم الحرف والمعنى والبياض ,[/rtl]
[rtl] "قرا ما قالت الشتا ل التراب [/rtl]
[rtl] ما قال الريح ل البحر [/rtl]
[rtl]قرا حديث الزهر [/rtl]
[rtl]مع فراق النحل [/rtl]
[rtl]وطلق وذنيك [/rtl]
[rtl] ياك تجيبك خبيرة النمل" ص 19 [/rtl]
[rtl] إن قصيدة "شمس الما" التي ضمها الديوان علامة بارزة في مسار الكتابة الزجلية عند احميدة بلبالي ، هي عصارة لمشروع الكتابة الحداثية التي تعمد التأمل والتفكير بعمق في أسئلة الإنسان من خلال التماهي مع كائنات الوجود الأخرى وبنفس شعري تصويري متنام ودقيق يكشف عن الحس الرياضي الحسابي في شخص الشاعر ، وعن هذه العناية الفائقة باللغة الشعرية التي تكتب بمرجعية تجريبية لها تصور خاص بها للفظ والإيقاع ومن توظيف للأسطورة ولمكونات الطبيعة التي انصهر فيها فاهما ومتأملا ومترقبا ومتوقعا ، دخل في علاقة وجدانية عالية الانصهار مع الفلك والشمس والبحر والريح والشجر ، [/rtl]
[rtl] "أنا شفته [/rtl]
[rtl]يلحس شفته وسمعت [/rtl]
[rtl]اتش اتش اتش " ص 63[/rtl]
[rtl]تتأسس إذن القصيدة الزجلية عند احميدة بليالي في ديوانه " شمس الما" على استحضار تراكمات القصيدة الزجلية المغربية الحداثية مع روادها كأحمد لمسيح وإدريس أمغار وعلي مفتاح ومراد القادري وغيرهم ويبقى للشاعر احميدة بلبالي مميزاته التي يتفرد بها وتجعل له موقعا خاصا في تجربتنا الزجلية كونه يجمع بين التأمل في الذات والوجود والتأمل في اللغة ذاتها كحاملة لمشروع قصيدة حداثية متعددة الخصائص في إيقاعها وفي نفسها وفي بعدها الأسطوري والبدوي الأمازيغي وفي خاتمة ريوس المعنى أنهى قصيدته في مقطعها 21 راس بندام لم يكتب إلا أسطرا من البياض وعلامة تعجب واستفهام ، [/rtl]
[rtl]ستظل قصيدة احميدة بلبالي سؤالا مستمرا في تأمل الإنسان والتعجب في أحواله مع مرآة روحه وغاباتها ، سيظل الإنسان في بعده الأسطوري حاضرا بين ثنايا الحرف وأوجاع المعنى، [/rtl]
[rtl] دمت شاعرا وزجالا تشتغل على الحرف في مختبر الرياضيات الذي يمنحك عينا ترى اللفظ لازمة تتكرر بصيغ التعدد والأشكال " في قصيدة "يد الشوق " تمتد هذه اليد للبياض وللحرف والمعنى لتهدينا شاعرا خاصا جدا اسمه احميدة بلبالي وبألف صغية لربيع المعنى.[/rtl]
[rtl] محمد الزرايدي سلا 28 مارس 2014 [/rtl]