#مايمكنش نكون أنا# و سؤال الذات سؤال القول لميمون الغازي
" ما يمكنش نكون أنا « الإنجاب الشعري الزجلي الثاني في سيرة ميمون الغازي الأدبية بعد باكورته « خيط من الشتا » وعادة ما يكون التفكير في المغامرة الثانية أشد وأقوى على صاحبه بعد أن يكون قد مر من مقصلة النقد والتقويم والنصح والمناقشة مع عائلة الزجالين والنقاد المهتمين بالجانب الثاني من قصيدتنا الشعرية الحديثة المكتوبة باللغة العامية ، أعترف أني لم أطلع على ديوانه خيط من الشتا ولكن أشعر وأنا أتلقى بمتعة خاصة نصوص الديوان ما يمكنش نكون أنا أني أمام رجل يكتب تحت مجهر رهان خاص مسكون بسؤال القول الشعري المغربي الحديث وإشكالياته النظرية والنقدية وينم أيضا عن اطلاع واسع على هذا المتن والإبدالات التي طرأت على بنياته ومستصيغ لأدوات الكتابة الشعرية المغربية والعربية التي اتخدت من التجريب منحى ومشروعا للكتابة ، السيد الزجال الشاعر ميمون الغازي ولج مغامرة الكتابة في الزجل وهو مشبع بجمالية اللغة ومهووس بتاريخها،وكاتب عن فكر وثقافة وتتداخل في تجربته الشعرية شخصية المفكر والمبدع وهاجس البناء الفني و الجمالي ، هي إذن الخلفية الإبداعية التي تحكمت في ميمون الغازي حين كان ينظم قصائد ديوانه آخذا بعين الاعتبار الانتشار الذي أصبح لقصيدة الزجل في سوق التلقي والاجتهاد الذي يجب أن يبذله حتى ينتمي إلى عائلة رواد القصيدة الزجلية المعاصرين .
ديوان #مايمكنش نكون أنا# يضم بين ثناياه إثنى عشر نصا عناوينها تفضح منحى التنوع في اختيارات ميمون الغازي الفكرية فهي تفضح الاستدعاءات الثقافية له فهو يشتغل على الحكاية الشعبية الإنسانية والأسطورة في بعدها المحلي وبعدها الإنساني العالمي و الزجل حسب بعض المهتمين فن يوجد أينما وجدت اللغة ، شمس ميمونة ، عين ، يزيد سعيد ولا محال ، بغيت نرجع منين جيت، لوح الوجدان، حجاية الغول ، نسيتك، وجه ، فينوس أو فينوسيا، عقل وطار، اكتبني قصيدة ، وقصيدة أنا ميمكنش نكون ،
هذا الاستدعاء للأسطورة والحكاية الشعبية المغربية أشبعه الزجال ميمون الغازي بعتبة قدم بها نصوصه عبارة عن مقولات ومفاهيم لأعلام فكرية وعالمية من مختلف الجنسيات ولأن الفن لا يؤمن بالحدود فهو جال بنا في الفكر العالمي والإنساني ) غادة السمان ، إميل سيوران، ونستون تشرشل، كريستوفرمارلو، محمود درويش، جان جاك روسو، إن اتش موش،( دون أن ينسى الاحتفاء بأحد العلامات البارزة في قصيدة الزجل المغربية ادريس أمغار مسناوي .
إن الحفر في تاريخ الكتابة وعلاقتها بالمفاهيم والأعلام ملمح أساسي طبع القصيدة العربية الحديثة وعد من أدوات التحديث والتجريب الذي شرح به الشاعر العربي النص الشعري وكان مشروع الزجال المغربي أحمد المسيح في العقد الثمانيني سباقا إلى جعل النص الزجلي يسير بموازاة مع النص الشعري بالفصحى في رحلة التحديث وقد نجح في ذلك ووجد لمشروعه صدى في تجارب جيل بأكمله من الزجالين من بينه تجربة ميمون الغازي الذي يؤرقه سؤال التحديث والتجريب وفي المتن والرؤية والبناء واللغة فنصوص #مايمكنش نكون أنا# تجيب عن سؤال العلاقة بين شعرنا المغربي المعاصر في جانبه العامي و المكتوب باللغة الفصحى وإجابتهما معا وبالتوازي عن الحداثة الشعرية التي انخرط فيها مجموعة من الشعراء من هؤلاء وهؤلاء مع احتفاظ كل لون بخصائصه التي تميزه.
#ما يمكنش نكون أنا# جملة شعرية تحسم في أمر الاختلاف بين أنا الشاعر وذاته, يقول ديكارت :# النفس التي أنا بها ما أنا # فمفهموم الأنا يدل على الذات وتدل على الشخص بجميع لواحقه وفلسفيا تدل على جوهر الذات وماهيتها الإنسانية يقول كانط # إن الأنا يرافق يالضرورة كل تمثلاتي # إن لعبة الأنا في قصيدة ميمون الغازي تكشف عن سؤال القلق والوجود والرغبة في الحرية والتخلص من الذات التي تتعب صاحبها بين الأنا الظاهر و الأنا الجوهر هذا البعد المزدوج في الكائن الحي وظفه الشاعر تيميا في روعة جمالية صار معها الموت ينجب الحياة والظلام يولد النور وصار المهد قبرا ، والمولود مفقودا ، والميت فجرا ، إنها ثنائية الحياة والموت ، تتماهى الأنا مع جوهرها لتعبر عن عطشها للحكمة والرحمة واللسان ، والإنسان والحرية ، تتلاحم الأنا مع ذاتها في إنجاز الفعل المشترك :
تعاقلنا ، تعانقنا ، تعالقنا
تهامسنا ، تلامسنا ، تسالمنا
ثم يتخلى عن الفعل المشترك الذي يتوحدا فيه لتصبح الأنا والذات في حالة تشظي ويلامسان مفترق الطرق فتتعالى الواحدة على الأخرى ويصير القول يتوجع ويتألم ، تصبح الذات مصدرا للوجع والألم ، ثم تتوحدان الذوات من جديد فيحيا الأول في الثاني والثاني في الأول في لعبة تعاقبية كشفت عن رؤية الشاعر للعالم رؤية تستحضر الصوت الاجتماعي بجمالية تتجاوز الواقع وتعلو عليه فيصير للقصيدة حياتها رغم الوجع والألم.
مات ومت
ذبحه صفرا
أنا
رماد ظله
لمدريه على قبره
أنا الميت فيه و هو الحي فيا
أنا
فيه وهو فيا
هو شكون ؟؟
الساكن فيا
واش أنا لي فيه
ولا هو لي فيا
هو أنا ولى أنا هو
إلى كان هو أنا
أنا ما يمكنش
نكون أنا
وفي جملة واحدة يمكن أن نختزل لضيق المقام أهم أدوات الكتابة الشعرية الزجلية لميمون الغازي والتي تطمح إلى التجريب والتحديث مع استحضار ما أنجز في أرض القصيدة بالفصحى: فمنذ الإهداء نشعر بمشروع الغازي التجريبي والحداثي فهو أهدى عمله للبياض في انتظار هذه الذات التي سيكشف عن معالمها سواء ذات المبدع وأسئلته المؤرقة أو ذات القارئ الذي سيكشف عن أسرار الديوان و مكنوناتها ، وهذا البياض لعب حاضر في جسد القصيدة العربية الحديثة .
الاستناد إلى إضاءة نقدية تساهم في تنوير أفق المتلقي وتمنح الكاتب مصداقيته في سوق التلقي خاصة وأن الطيب هلو زجال مع الخبرة.
استهلالات فكرية وشعرية أحيانا الغاية منها تأكيد سعة القراءة وتنوعها.
على مستوى لغة الكتابة تنم عن الاطلاع الواسع بل إن تاريخا كبيرا للغة يسري في شرايين ووجدان الشاعر أكسبه القدرة على الإصغاء لكل الأصوات الزجلية المغربية وجعلها حاضرة بذكاء في متنه مع توقيع خاص يحمل تسجيلا خاصا به جعل اللغة شاسعة تحمل رؤيته التي تميزه
على مستوى الإيقاع ثمة اشتغال مختبري على مستوى التنويع والتكرار والرصيع والتشاكل وكل الإبدالات التي طرأت على بنية القصيدة المغربية وتقطيع اللفظة الواحدة وتقطيع النص إلى مقاطع متساوية الأبيات والاشتغال بدقة كبيرة على الروي بل والقافية التي تتكرر وتحدث زلالا وإيقاع يكشف عن الحمولة النفسية للشاعر ودرجة انفعالاته مع ما تحمل المفردات التي يتكأ على الإيقاع من دلالات قوية تيميا وفكريا
يا ويل
عذابي ويل
عذاب يفتت لحجر
عذاب يضيق لقبر
عذاب يبكي الصبر
عذاب يريج الجمر
يهيج لبحر
كما يعمد الشاعر إلى اللعب على التجانس في بناء المعنى كما في
عذاب يمرر المر
يشيب لعمر
عمر مر
وقلوب مرمر
قلوب حجر
قلوب اح قر
تتغذى إذن القصيدة الزجلية عند ميمون الغازي من مصادر شعرية وثقافية واسعة يتداخل فيها الإنسان المبدع والإنسان الذي يفكر في هاجس تطوير القصيدة الزجلية على مستوى اللغة والبناء الفني بهدف التعبير عن رؤيا شعرية تعلن عن موقفها من الذات و تقدم تصورها للعالم و الوجود والزجل ، ما يمكنش نكون أنا هو وميمكنش يكون هو أنا وميمكنش يكون السي ميمون الغازي إلا زجالا ، شاعرا ، إنسانا يحلم بالقصيدة ومايمكنش تكون إلا قصيدة زجل تحيا بكم وبه
محمد الزرايدي سلا
27 دجنبر 2013
جمعية أضواء على الفنون