عبد الرحيم لقلع زجال مدينة فضالة
مهندسُ الجمال
شهادة الزجال علي مفتاح
يكتب الشاعر القصيدة فتنبعث روح المدينة من ظلمة الغياب ،هو الشاعر وحده من يملك سلطة و ملكة السمو بالذاكرة الجماعية ،و الشاعر كان دوما و سيظل منبعَ جمالَ هذه الذاكرة ، يرسمها أو لنقل يعيدُ رسمها ،يعصر من عمق نبضاته ألوانا يُمْزجُها بمساحيق الروح ،فتتراءى المدينة و كأنها تعيش ولادتها من جديد ،لكن هذه المرة ولادة هي بطعم الخلود للذاكرة من جهة و للمدينة التي تحتضن كتابة هذه الذاكرة ، و للشاعر دوما الحق كل الحق في أن يطرُقَ باب ذاكرتَنا ،أو لنقل باب سباتِنا كي نستفيقَ على إشراقة شعرية تذكرنا بالمعنى الجمالي لقيمة الانتساب للحياة ،حياة كانت ستكون متحجرة محنطة دونما شعر و دونما جمالية الكتابة .
و اليوم هذا اليوم ،و هذه المدينة المدانةَ حد التورط بتهمة الجمال الآسر ،لها الحق أن تضيف إلى لقب " مدينة الزهور " الذي التصق بها لسنوات و عقود لقبا آخر إنها مدينة الزجل بامتياز .
عبد الرحيم لقلع وجه بطعم الزجل ،عرف كيف يؤثِثَ لنفسه مكانة داخل النسيج الزجلي المغربي عبر الاشتغال العميق و الجاد في تطوير آليات كتابته للقصيدة بحرقة و بوعي كذلك ،و كيف لا و هو المهندس المولع بتصاميم فن القول و فن ترجمة القول و تحويله إلى جمال ،فطوبى لهذه المدينة و هي تحتضن اليوم مصمم ذاكرتها الجمالية ،و عبر الحرف و لا شيء غير الحرف يعيد زجالنا لهذه المدينة التي أنهكتها البنايات و الاكتساح الإسمنتي بهاء الماضي الجميل و أمل الحاضر و المستقبل . فالكتابة ها هنا ترميم للذاكرة و للقيم الإنسانية ،حنين لماضي وشم الذاكرة الجماعية كما وشم ذاكرة مصمِّمَها الجمالي عبد الرحيم لقلع بقيم سامية كانت عنوانَ لهوية جماعية اسمها " مدينة فضالة " .
فالديوان " الراس بحر " يعيد ترميم هذه القيم بتصميم غارق في إنسانيته و في شعريته كذلك و رصيده في ذلك لغة زجلية يشهد لها بالغنى و معجم مفعمٍ بالخصوبة الشيء الذي يحيلنا على تورط الزجال في انتمائه لمنطقة عشقها حد الإدمان و أكيد أنها عشقته و أفردت له دروبها و أزقتها و طبعت مخيلتَه بطابع عشقها الخاص .
سعيد هو الزجل اليوم ، نعم سعيد ،و هو يحتضن على رفوفِ مكتبته مولودا لطالما انتظرناه
،مولود كنا في أمس الحاجة إلى خروجه إلينا و إلى الزجل المغربي ،كي ينضم إلى باقي الدواوين التي في قلتها تنتمي للزجل المغربي الحقيقي و ليس الزجل الوهمي ،ديوان أتى كي ينثر على خد وجهنا الزجلي أبهى الصور الشعرية و أرقى الإنزياحات ،و أن يهمس في أذن كل الحالمين بكتابة الوهم ، و كل من يمارسون السرقة الزجلية خلسة أو " على عينك يا ابن عدي " أن الزجل المغربي اشتغال و حفر و رؤيا " على و عسى يشوفوا و يقارنوا و يحشموا عراضهم " .
الراس بحر خلاصة تجربة زجلية تمتد لعقدين أو أكثر من الزمن ،إنه يختزل بين طياته تجربة زجلية حداثية أكيد أنها ستغني ساحتنا الزجلية و ستفتح شهية نقادنا من أجل الوقوف على كل خصوصياتها الشعرية و كذلك الحداثية .
" الراس بحر " و هو في حلته الأنيقة هذه يعكس البعد الجمالي و النزعة الراقية في اختيار التصاميم عند زجال " فضالة " سي عبد الرحيم لقلع ،كما أن الإهداء وحده يخلص الأبعاد الإنسانية و الأدبية عند زجالنا ،الذي شاء بحد سلطة الاستلاب الروحي و الوجداني اللذان يعيشُهُما زجالنا في علاقته بالزجل منفاه القسري و اغترابه الروحي ،أن يُهدي ديوانَهُ إلى كل من يمارسُ فعلَ الكتابة " يا صاحب الكلمة مداد و قلم " .
فعبد الرحيم لقلع الإنسان، كان دوما و مذ عرفته إنسان المواقف ،كريم ، سخي ،أقولها كشهادة للتاريخ إنسان خلق كي يكون خدوما و وفيا لرسالته التي هي أولا و أخيرا الزجل المغربي ،يوزع الابتسامة بسخاء مغربي غارق في إنسانيته ،من المؤسسين الأوائل للاتحاد المغربي للزجل،أعطى من وقته و من ماله كذلك ،شجاع في قول كلمةَ حق حتى و لو تعلق الأمر به شخصيا أو بأقرب المقربين إليه ،كما أنه من الزجالين القلائل ـ أقولها و أتحمل مسئوليتي في ذلك ـ من الزجالين القلائل الذين يقرؤون الزجل بإلقاء راق جدا، يراعى فيه المحطات الانفعالية داخل القصيدة ،و يعطي للحرف قيمته الصواتية .
الحاصول و ما فيه ،أقول لمدينة فضالة و لساكنتها هنيئا لكم بزجال هو برتبة مهندسِ للجمال "
و أقول لصديقي و أخي عبد الرحيم لقلع
أحبك في الزجل .
علي مفتاح
1 فبراير 2013