قضايا التخييل في رواية عكاز الريح[rtl]
*ذ. يونس تهوش[/rtl]
[rtl]
زجال و باحث في الأدب المغربي[/rtl]
[rtl](1)[/rtl]
[rtl]تحسب للكاتب ادريس أمغار مسناوي جرأته في تجريب الكتابة بالدارجة منذ أعماله القصصية التي ألفها في سبعينيات القرن الماضي، و من ثمة تكون روايته الأخيرة "عكاز الريح" حلقة من حلقات مشروعه السردي الدارج، الذي يراهن على توظيف الدارجة في الخطاب السردي الحديث عوض حصره على الحكايات الشفهية و الألغاز و غيرها من أنواع الأدب الشعبي.[/rtl]
[rtl]إننا أمام جرأة ارتقت بالدارجة من دائرة إبداع العامة إلى دائرة إبداع الخاصة، واختارت التعبير بها عن الواقع المعاصر بقضاياه الشائكة و ظواهره المستجدة.[/rtl]
[rtl]نعترف مع الباحث آليكس الينسون بأن قراءة رواية بالدارجة المغربية أمر غير عادي، يبعث الغرابة لدينا ما دام اتصالنا بالجنس الروائي كان من خلال اللغات الحية، لكن ما تلبث تتحول هذه الغرابة إلى ألفة كلما توغلنا مع الشخصيات في تخوم هذه الرواية، و استأنسنا باللغة الراقية التي تتحدى الحدود الجغرافية و تعانق القارئ في الأقطار العربية الأخرى، وذلك من خلال توظيف المعجم المشترك بين اللهجات كما في هذا المثال: " المقام اللي تايجمعنا هنا هو الآخر مقام العلم والمعرفه"/(ص84)، و الحرص على توحيد رسم الحروف بالاستناد إلى بعض قواعد اللغة العربية المدرسية كما في هذا المثال: " الإطار فين وضعُه الله" و"وهذا هو المقصود و المنشود ف كتاباتي"/(84).[/rtl]
[rtl](2)[/rtl]
[rtl]رواية عكاز الريح ثاني الأعمال الروائية لإدريس أمغار مسناوي، كتبت بين سنتي 2006م و 2009م، صدرت طبعتها الأولى يناير 2013 في حجم متوسط و في 244 صفحة تتوزّع عبرها 48 لوحة معنونة بعناوين مختلفة1.[/rtl]
[rtl]قدّم لها الناقد والمترجم آليكس الينسون من خلال محاولته إغراء القارئ بجاذبية الأسلوب في الرواية وبرقي لغتها و قدرتهما على غلق الفجوة بين فهم العمل و الإحساس به، و كذلك من خلال التنويه بالحبكة السردية التي أخرجت المؤلف من حدود الكلاسية و نجحت في الجمع بين "خيوط السّرد الروائي و الزجل و المثل و القصة و غيرها"/(الرواية: ص6).[/rtl]
[rtl]فيما جاءت شهادة الناقدة فاطمة بن محمود في الغلاف الأخير لتكشف عن رؤية الرواية، و سعيها إلى الاختلاف عن السائد روائيا من خلال رفع لغة الحكي اليومي إلى لغة الحكي الأدبي.[/rtl]
[rtl](3)[/rtl]
[rtl]ما يدهشنا بلغة جمالية التلقي هو التنصيص على عقد أدبي جديد "تعاويد" و كتابته بخط بارز إلى جانب العقد الأدبي "رواية" الذي كتب بين قوسين و بحجم أصغر، و هو ما يدفعنا إلى القول بأن الكاتب يريد التأشير على خصوصية مؤلفه من خلال الجمع بين عقدين أحدهما قديم و آخر حديث.[/rtl]
[rtl]يحيل العقد "تعاويد" على ممارسة تواصلية سردية ارتبطت بالحياة العادية و باليومي البسيط للمغاربة، تتجلى في تبادل الأخبار و تداولها بين عموم الناس اعتمادا على الحكي والرواية الشفهية. و لعل أبرز اشتقاقاته الفعل (عاود، نعاود، نعاودوا)، و منها العبارات المأثورة (عاود لي شنو جرا، أو أجي نعاود لك ...)، أي احكي لي ما قيل أو ما شوهد.[/rtl]
[rtl] لكننا في المقابل لا نجد ضمن الأنواع الحكائية التقليدية الشعبية (الخرافة، الحجاية، الأزلية...)، ما ينص على أن "تعاويد" نوع من أنواعها. و هو ما يؤشر على اجتهاد الكاتب في اشتقاقه و في السبق إليه، و على محاولته لتأصيل هذا النوع الأدبي في الثقافة المغربية العربية.[/rtl]
[rtl]و نجد لهذه القضية صدى في المتن الحكائي؛ حيث يقوم الأستاذ علال باعتباره قاصا يكتب بالدارجة بتبرير استبداله لعقد "القصّه" ب "الخبيره"، يقول:[/rtl]
[rtl]" لابد من توضيح علاش الخبيره عوض القصّه.[/rtl]
[rtl]احنا كنعرفوا أنّ الشّعر المكتوب بالدارجَه تايحمل اسم مغربي دارجي و هو الزّجل، من هنا جاتني الفكرَه علاش ما يكونش لهذ اللون اللي تانكتب بالدارجَه اسم خاص به. الشي اللي دفع بيّ ننبش ف الذاكرَه أو بعبارَه أخرى ف معجمنا وموروثنا حتى عثرت على "خبّيره" لقيتها كتحمل نفس الدلالَه و اقتنعت أنها هي اللي تليق و هكذا اخذت مكانها". ( الرواية: ص80)[/rtl]
[rtl]ف"الخبيرَه" كانت معادلا للقصة بعد بحث مضن و نبش عميق في الذاكرة الشعبية وفي المعجم المحلي و الموروث الشعبي، و بالربط بين الكاتب و بطل روايته نسجل على أن "تعاويد" ليس سردا شعبيا و لا جنسا أدبيا مستحدثا، و إنما هو الجنس الروائي المحكي بالدارجة العاكس للخصوصية اللغوية المغربية.[/rtl]
[rtl](4)[/rtl]
[rtl]ارتبطت الأحداث في هذا المؤلف بأسرة قروية من آيت بويحيى تتكون من الأب بوشتا البراق و الأم منانة و الأبناء علي و علال و منى و الخال الگارح، و امتدت إلى بعض الأفراد الذين تربطهم علاقة بالأسرة كلطيفة محبوبة علال البراق.[/rtl]
[rtl]اضطلع الأستاذ علال زيان باعتباره صديق العائلة و الجار الحميم لها بسرد الأحداث الهامة و بالتقاط الجزئيات الأهم التي لها صلة باهتماماته الإبداعية أو قناعاته الفكرية والأخلاقية؛ فهو لا يسرد كل شيء و لا يغرق في تتبع كل التفاصيل بل يسعى إلى المساواة بين ما هو اجتماعي و ما هو ذهني إن صح التعبير.[/rtl]
[rtl]و يمكن تتبع هذه الأحداث من خلال رصد مجموع العلاقات التي تجمع بين الأستاذ علال وأفراد هذه الأسرة:[/rtl]
[rtl]1- علاقة الأستاذ علال بعلي البراق: علي الابن الأكبر، مولع بالرسم و النحت منذ صغره، اكتشف الأستاذ موهبته عندما كان يدرس بالسنة الثانية إعدادي، و منذ ذلك الحين نشأت بينهما علاقة اجتماعية سعى من خلالها الأستاذ تحفيز و تشجيع علي على الإبداع وذلك بمساعدته على اقتناء كتب الرسم و الصباغة و الأوراق. لكن فترت هذه العلاقة نسبيا بعد التحاق علي بإحدى ثانويات الدار البيضاء لدراسة الفنون الجميلة، وانقطعت نهائيا بعد سفره إلى اسبانيا لمتابعة دراسته العليا في نفس التخصص.[/rtl]
[rtl]2- علاقة الأستاذ علال بالگارح: الگارح هو أخ منانة من أبيها، رجل أنيق، جندي سابق ومقاوم في صفوف جيش عبد الكريم الخطابي، شاهد على كثير من الأحداث التاريخية، تربطه بالأستاذ علاقة احترام يعضد وثاقها زاده من " مغامراتُه اللي وقعوا له و هو بفاس ومشاركته ف حرب الريف و المقاومة و دخوله للعسكر"/( الرواية:ص27)، التي كان يرويها في الأماسي الصيفية المقمرة بحضور منى و علال البراق و لطيفة والصحافي عزيز النحافي.[/rtl]
[rtl]نشر له هذا الأخير بأحد الجرائد الوطنية الجزء الأول تحت عنوان " شهوة الشهاده"، ودوّن له الأستاذ علال الجزء الثاني تحت عنوان" الصوت و الظل".[/rtl]
[rtl]و توقفت العلاقة بينهما باختطافه من قبل الدرك الملكي ووفاته الغامضة.[/rtl]
[rtl]3- علاقة الأستاذ علال بمنى البراق: منى الابنة الصغرى في الأسرة، مدللة و متعلقة كثيرا بخالها الگارح الذي يخصها بمكانة ابنته. ظلت علاقتها بالأستاذ محدودة جدا، ومحصورة في جلسات التاريخ التي كان يروي فيها الخال الگارح مغامراته المذكورة سابقا، واتسعت حدودها نسبيا بالتجاء منى للأستاذ من أجل إقناع أسرتها باحترام رفضها للزواج و عدم أهليتها له" البنت بغت تقرا و تكمل قرايتها، ما بغت لا مول لگرايض و لا مول كنوز قارون، خصكم تحترموا رغبتها و هي هذ الساعَه ما تتفكرش ف الزواج و من حقها ترفض و زايدون حتى عمرها ماشي قانوني..."/( الرواية: ص174).[/rtl]
[rtl]4- علاقة الأستاذ علال بعلال البراق و لطيفة: علال البراق تلميذ نجيب عرف باجتهاده وذكاءه المنسوب إلى الجن، تابع دراسته الجامعية بشعبة الفلسفة، كانت له محاولات في القصة. و كانت لطيفة جارته في السكنى و زميلته في المدرسة و رفيقته في الطريق، لها محاولات في الزجل. و في غمرة شغبهما الطفولي تسلل الحب إلى علاقتهما " لطيفه بدات تحب البراق، و البراق حتى هو كان يحبها، غير كان كل واحد فيهم مخبي حبُّه ع لاخر أويمكن ما عرفوش يخرجوه"/( الرواية: ص14).[/rtl]
[rtl]عرفت علاقتهما منعطفا خطيرا تجسد في قرار أسرة لطيفة تزوجيها قسرا من حمان بومدين، و في تدهور حالة البراق النفسية جراء هذا القرار الذي زلزل كيانه و أفقده وعيه و عقله و أجبره على إدمان السكر و المخدرات و الانقطاع عن الدراسة واللجوء إلى حضن الشارع.[/rtl]
[rtl]ربط الأستاذ علال بهما علاقة إبداعية حرص من خلالها على رعاية مواهبهما في القصة و الزجل، كما ربط بهما علاقة اجتماعية حرص من خلالها على تتبع مسار حبهما عبر مرحلتي القرية و الرباط، و على إنقاذ البراق من أزمته النفسية و من فشله الدراسي، و من الجمع بين شمل الحبيبين بعد شفاء علال و فشل زواج لطيفة.[/rtl]
[rtl]ومكنته أيضا من نقل حيثيات الاعتقال التعسفي الذي طال البراق و المحاكمة غير العادلة التي زجت به خمس سنوات في السجن.[/rtl]
[rtl](5)[/rtl]
[rtl]تتميز رواية عكاز الريح ببنية سردية يسميها شكري عزيز الماضي بالبنية الفسيفسائية2، و هي بنية تشهد عددا من تدخلات السارد المباشرة التي تؤدي إلى تقطع خطية السرد، كما تشهد كذلك تنوع الخطابات المسرودة في إطار ما يسمى بتقنية "الميتاقصMetafiction ". و لتقريب خصوصية هذه البنية نقف عند تمظهراتها في المتن الروائي:[/rtl]
[rtl]أ- يتقطع السرد بواسطة اللوحات التي تأخذ طابع الاستطرادات و الانحرافات السردية بما يشبه التعليقات أو التأملات، و مثالها اللوحة المعنونة بـ"الدم الملوث" التي تمزج بين البعدين التأملي و النقدي في التعليق على القمع الذي مارسته السلطة الاستعمارية بمساعدة خونة الوطن على المواطنين الأحرار " جماجم محتكره الزمان... محتكره المكان... محتكره الكلام... محتكره الاحكام"/( الرواية: ص121).[/rtl]
[rtl]و مثالها أيضا تعليق السارد على موت الگارح المعنون بـ "ملحوظة"، الذي يناجي فيه نفسه، و يعرف من خلاله بالصعوبات التي واجهته في مواصلة السرد عن الگارح، يقول:" إلى حدود هذ التاريخ ما عرفت منين نبدا هذ الجزء الآخر من قصة الگارح، حاولت أكثر من سبع مرات نـﭽلس و نكتب"/( الرواية: ص215).[/rtl]
[rtl]ب- وصف ميكائيل باختين الرواية بأنها شكل هجين تلتقط عناصرها من مختلف الفنون السردية و غير السردية و كذلك من مختلف الأنواع الأخرى3، و هو وصف يصدق على رواية "عكاز الريح" التي بنت أنساقها الخاصة اعتمادا على عدد من الفنون الأدبية، والتي تتمثل في:[/rtl]
[rtl]- الحكاية التاريخية: تكفل الگارح بسردها للأستاذ علال و صديقه عزيز، استغرق سردها عددا لا بأس به من اللوحات ( اوشام الريح، ظل الريح، طياح الريح، مراية الدم، سيرة الظل، سوارت الريح، الصوت و الظل).[/rtl]
[rtl]حاول من خلالها رصد فترة مهمة من تاريخ المغرب الحديث عبر رواية مجموعة من الأحداث التي عاينها في فترة السيبة (محاكمة الروگي و من معه بفاس) أو شارك فيها (في حرب الريف) و عدد من المواقف التي آمن بها و عبّر عنها (مثل التنكيل بشيخ القبيلة).[/rtl]
[rtl]- الحكاية العجائبية: نجد في الرواية أحداثا و ظواهرا غير طبيعية تندرج ضمن العجائبي الأداتي و العجائبي المبالغ فيه حسب تصنيف تودوروف. ونستدل على التصنيف الأول بقصة المرآة المعلقة بإحدى الإدارات العمومية التي تُظهر لمستعملها قفاه عوض وجهه، لتتحول بذلك من أداة للتجميل إلى أداة فاضحة للعيوب و للأقنعة المزيفة، الأمر الذي يبعث لدينا انطباعا بعجائبية الحكاية التي نقتطف منها ما يلي:[/rtl]
[rtl]" و شاءت الأقدار، يتعيّن عندنا واحد الموظف من إدارَه اخرى لأسباب تأديبيَه(...) و ف ذاك النهار قصد لمرايَه، و الموظفين كلهم متبعينوا بشوفَه مسروقة، باغيين يعرفوا رد فعله. ما تأخّرش الموظف الجديد و دغيا رجع (...) و دار فيهم: كيفاش ما فكرتوش تقلبوا لمرايَه؟ ما تقولوش ليّ أنكم كنتوا تشوفوا فيها وجوهكم؟"/( الرواية: ص166 -167).[/rtl]
[rtl]أما التصنيف الثاني نستدل عليه بحلم علال البراق الذي يحكي عن الغمامة التي حطت على رأسه، و عن مغامرته الشيقة و المحفوفة بالمخاطر للقبض عليها والسفر معها، والذي يرصد جملة من الأفعال العجائبية التي يكشف هذا المقتطف عنها" ... ندخل ف الغمامَه، نقتحمها، نشفي غليلي..نكون فيها.. لها.. نذوب فيها، أو نركبها و نسافر معها. ونا تانمد يدي تانتفاجأ بقومان من الناس لابسين لبيض تايجرّوا جهتنا (...) تلفّت ورايا، لقيت القومان تايدابزوا، نقول تايتشابكوا. ما شفتش الطايح، شفت غير النايض، و لا نقطة وحدَه ذ الدم إلا ثوابات بُويَض يتشايروا فالسما"/(الرواية: ص126).[/rtl]
[rtl]- الأسطورة: اضطلع علال البراق بسرد أسطورة "سيلانَه" للأستاذ علال زيان في سياق حديثهما الفلسفي عن الحياة و ماهيتها. و هي تعبر عن أمنية البراق في نومة أبدية تزوره فيها إلهة القمر سيلانَه لتفعل به كما فعلت بالراعي أندوميس، ليتخلص من كراهية و عنف الواقع.[/rtl]
[rtl]- القصّة: سمة الإبداع في القصة أو الخبيرة من السمات الثقافية التي تميز الأستاذ علال وعلال البراق كما سبق الذكر، لذلك أثثت الرواية ببعض من نصوصهما القصصية، منها (حديثَه، بالناقص م البحث، مدينة بني قماقم أو مخلوقات الليل) للأستاذ، و ( زِد تمشي، زيارَه) للبراق.[/rtl]
[rtl]- الزّجل: يحضر الزجل في الرواية من خلال شخصية لطيفة التي كانت تبدع فيه بين الفينة والأخرى في صمت قبل أن تقرر الخروج عن صمتها بنصين، الأول بعنوان "فياق الحلمَه"، و الثاني بعنوان "لوحم".[/rtl]
[rtl]- الدراما: تتوفر بعض لوحات الرواية على خصائص الدراما، باعتبار هذه الأخيرة هي النّص المكتوب لأداء أدوار مختلفة، حسب الفعل المتسم بالصراع4.[/rtl]
[rtl]و من هذه اللوحات التي تحدد أدوار الشخصيات و تقدمها في حوار مباشر و صراع مكشوف : ظل الصدمَه (بين الطبيب و الفينومين)، ظل الكاميرا (بين الكاميرا والفينومين)، ف حفرة الظل ( بين المفتش و الفينومين)، المحاكمة ( بين القاضي و علال البراق).[/rtl]
[rtl](6)[/rtl]
[rtl]يتغير مستوى القول الروائي حسب الأوضاع و الحالات المختلفة للشخصيات بما ينسجم مع انفعالاتها النفسية و مواقفها الفكرية، و بما يعكس فاعليتها في الأحداث و في مسار تطورها و نموها، و من المستويات التي نجد لها صدى في "عكاز الريح" ما يلي:[/rtl]
[rtl]أ- المستوى التأملي الفلسفي: يعكس هذا المستوى على حد تعبير محمد معتصم5 طبيعة فكرية استفسارية و قلقة تبحث فيها الشخصية المتكلمة عن أساس تطمئن إليه، وتعكس هذا المستوى الوضعية التأملية التي اتخذها كل من علي البراق و الأستاذ علال زيان في إطار بحثهما عن جوهر الإنسان و ماهية الحياة من خلال الكشف عن الدلالات الرمزية التي تختزنها (المرآة): " قلت لُه آش دخّل لمرايَه ف حياة الإنسان؟ قال ليّ لمرايَه هي الضمير الإنساني و الضمير هو لمرايَه الدخلانيَه والبرّانيَّه للإنسان"/( الرواية: ص23).[/rtl]
[rtl]كما نجد لهذا المستوى صدى في الموقف الذي عبّر عنه علال البراق و هو يكشف صور تأملاته في ماهية الحلم بحثا عن معنى جديد له"... بقت الحلمَه كِ النهار كِ الليل رغبَه أو بغيَه كتحوم ع البال.. ساريَه ف الدواخل، تانعيّط عليها تبان ونا تاننتظر تفاجئني و توقف عليّ و نتحالموا" ( الرواية: ص127).[/rtl]
[rtl]أو وهو يستدرج الأستاذ علال للتعبير عن موقفه من الصمت و للكشف عن تصوره الفلسفي للصمت:" اعطِ للصّمت لغتَك يعطيك لغتُه. صمتنا صمت لمرايَه و هي تاتقول كل شي..."/( الرواية: ص129).[/rtl]
[rtl]ب- المستوى النقدي التحليلي: يعكس هذا المستوى طبيعة نقدية تحليلية تُخضع فيها الشخصية المتكلمة الأفكار و المواقف للنقد و المساءلة و تصدر الأحكام عليها. ويعكس هذا المستوى الوضعية التحليلية التي انخرط فيها كل من الصحافي عزيز النحافي و الأستاذ علال في معرض تعليقهما على حكايات الگارح حول ظروف توقيع معاهدة الحماية، حيث حاولا إخضاع التاريخ الرسمي للمساءلة النقدية وللتحليل من أجل قراءة صحيحة للوقائع، و هو ما يفصح عنه هذين المقتطفين:- " التاريخ الرسمي مكتوب بالهيبات، واش نحسبوه تاريخ؟ التاريخ اللي تكتب بلغَه اللي ترضي الحكام، واش تايحمل الحقيقَه؟" ( الرواية: ص39).[/rtl]
[rtl]- " ما عندنا علاش نتستروا أو نحشموا إيلا اعترفنا أن تاريخنا عامر أخطاء و مطلي بدم الأبرياء" ( الرواية: ص56).[/rtl]
[rtl]كما نجد صدى لهذا المستوى في الحديث الذي دار بين الاستاذ علال و علال البراق عقب زيارتهما لقبر الگارح، حيث استغرقا في التساؤل عن الحياة و الموت في إطار قراءة نقدية تبحث عن تجليات حياة الإنسان و تمظهرات موته كما تكشف التساؤلات الآتية:" واللي تولد ميّت؟" (ص220)."و اللي تعطت لهم الحياة ورفضوها بالأحرى يناضلوا من أجلها"/( الرواية: ص221).[/rtl]
[rtl]ج- المستوى الانفعالي: يعكس هذا المستوى الحالات و الانفعالات النفسية التي تصدر عن الشخصية المتكلمة، و تعكس مشاعرها المطمئنة أو المنزعجة ( حالات الفرح أوالحزن) في وضعيات مختلفة.[/rtl]
[rtl]ومنه المناجاة التي جمعت بين البراق و لطيفة، و التي كشفا فيها عن مشاعر الحب الجياشة و العاطفة الملتهبة التي جمعتهما في لحظة من لحظات البوح الصادق و الصفاء النفسي:[/rtl]
[rtl] "- كن مراية طيني أو طين مرايتي و اخرج بيّ للوجود نلقى فيك "أنايا" وسط اللمَّه.[/rtl]
[rtl]- أناك هي ف "أنايا" ( الرواية: ص136).[/rtl]
[rtl]و يعكس حوار لطيفة مع أمها في آخر الرواية انفعالات نفسية عنيفة تؤججها مشاعر الشك والريبة و مشاعر القلق و الاضطراب التي انتابتهما بعد اعتقال علال البراق و انسداد أفق علاقته بلطيفة:[/rtl]
[rtl] " - لاّ أبنتي، ملّي وصلتِ و انتِ ماشي هي هذِك![/rtl]
[rtl]بصوت منرفز جاوباتها لطيفَه: كيف نغيتِ تشوفيني؟[/rtl]
[rtl]- حالتك ما عاجبنيش، صفرا بحال إيلا ما تاتاكليش الخبز.[/rtl]
[rtl]- علال، ملي شدوه ونا ما تاننعس، ما تاناكل، بالي غير معه ليل و نهار.[/rtl]
[rtl]- لا، لا، آبنتي، أنا خايفَه لا تكون شي حاجَه اخرى." (الرواية: 242)[/rtl]
[rtl]د- المستوى التهكمي الإيروني(L’ironie): يعكس هذا المستوى ردود الأفعال الساخرة للشخصيات المتكلمة من السلوكات التي تفرضها وضعية تواصلية ما بغاية الفضح و الانتقاد .[/rtl]
[rtl]و منه حوار السلطان مولاي حفيظ مع المتمرد الروگي، الذي كشف عن تهكم و سخرية كل منهما من أفعال الآخر و موقفه من السلطة و كيفية حصوله عليها:" قرّب السلطان من الروگي و قال له: كيفاش ما استحييت ما حشمتِ من تصرفاتك؟[/rtl]
[rtl]شاف فيه الروگي و قال له: استحيى انت من تصرفاتك، ياك انت ونا جوج روگيين؟[/rtl]
[rtl]السلطان متهكم عليه: أنا ما جتش من الجبل، و ما جتش راكب على حمار.[/rtl]
[rtl]الروگي ديما متبختر و عاجبُه راسُه، قال له: و لكن دخلتِ من فوق السور.[/rtl]
[rtl]السلطان ما خلاهش يكمّل كلامُه، عرفُه فين باغي يوصل، قاطعُه: أنا جيت م لقصر للقصر.[/rtl]
[rtl][جاوبُه الروگي] الكل تايعرف منين جيتِ، و كيف جيتِ، أنا ثوري و انت انقلابي." (الرواية: 44-45)[/rtl]
[rtl]و منه المحاكمة غير العادلة التي حوكم فيها البراق بتهمة الانتماء لخلية سرية تقوم بتوعية الشعب و تعبئته ضد النظام، التي عكست تهكمات و استفزازات النظام و ردود أفعال البراق الساخرة من النظام و مقارباته الأمنية القمعية التي ينهجها للحفاظ على نفوذه وسلطته:[/rtl]
[rtl]- يمتى تعلمتِ لغة الأموات؟ و فين تعلمتها باش تهدر معهم؟ (ص230)[/rtl]
[rtl]- وقاحَه هذي. (ص234)[/rtl]
[rtl]- (علال تايصيبُه ضحك هستيري)" ( الرواية: ص235). [/rtl]
[rtl](7)[/rtl]
[rtl]تسعى رواية "عكاز الريح" للإجابة على عدد من الأسئلة الضمنية و التي نجد لها صدى بين ثنايا الأحداث و في المواقف و الحالات التي عبرت عنها الشخصيات، و يمكن تصنيفها إلى ثلاثة أسئلة:[/rtl]
[rtl]أ- سؤال القيم: تتم الإجابة على هذا السؤال عن طريق مساءلة عدد من القيم المتداولة في المجتمع على سبيل (حرام، حشومَه، ممنوع) و الدفع بها إلى التغيير بما ينسجم مع قيم الحرية. كما تتم الإجابة عنه بتعرية واقع حال المجتمع الذي ينغمس شبابه في براثن الانحراف و العقوق، و نساءه في الخيانة الزوجية، ورجاله في خيانة الوطن و الضمير، و سلطته في الظلم و التعسف.[/rtl]
[rtl]إنها مساءلة تسعى لتقويم سلوكات الفرد و الجماعة، و السمو بالأخلاق، و تنمية القيم النبيلة لتكوين مجتمع حداثي راق و نموذجي.[/rtl]
[rtl]ب- سؤال الإبداع: تأتي الإجابة على هذا السؤال متضمنة في مواقف و رؤى الشخصيات المبدعة التي يتقمصها كل من الأستاذ علال زيان و علي البراق ثم علال البراق، و التي من خلالها يتم رسم صورة للمبدع الحقيقي. المبدع الذي يقدس جسده باعتباره طاقة كامنة تتشكل قوتها من مجموع العناصر الحية و الحواس الإدراكية التي تربطه بالآخر و بالعالم، و يستطيع التواصل و الإحساس بالوجود كما يستطيع التقاط الإشارات الملهمة و الرمزية التي تختزنها تجلياته. و المبدع المتشبع بقيم الجمال، و المتسلح بالسؤال و بالقراءات المتنوعة و المتجددة، والمواظب على السلوك الجيد، و المنصت للآخر، و المنفتح على جميع الفنون، والمتحدي للإكراهات، و المؤمن برسالته، و الغني عن كل مقابل، و المؤمن بالمستقبل. و المبدع القادر على الرقي بإبداعه بواسطة الخيال الخلاق و التجريب في اللغة و في الصورة و في الشكل، و على خلق الدهشة و الصدمة لدى القارئ.[/rtl]
[rtl]ج-سؤال الكينونة: يمثل الأستاذ علال زيان النموذج و المثال الأعلى لباقي الشخصيات على اختلاف مرجعياتها المعرفية و مستوياتها الاجتماعية و اهتماماتها الفنية، فهو كما تصوره الرواية مبدع في كتاباته، متواضع مع الجميع، منفتح على ثقافات الآخرين، مستقل في قراراته، متشبث بمبادئه، حريص على قيمه، منصت لضميره، مقاوم للقبح، فاعل في الحياة العامة، محب للوطن، عاشق للطبيعة، و مقدس للإنسان...[/rtl]
[rtl]و بذلك فهو يعكس الصورة المثالية والفاضلة للإنسان الحقيقي الذي يحقق وجوده الفعلي ويعانق حياته الحقيقية.[/rtl]
[rtl](8)[/rtl]
[rtl]يمكننا القول في الأخير أن "عكاز الريح" كانت مغامرة سردية و لغوية، حققت رهان التجريب الأدبي بواسطة أدوات فنية جديدة و متنوعة سعت إلى مخالفة المألوف و السائد روائيا.[/rtl]
[rtl]مغامرة احتفت بالجمال و رسمت خرائط الرقي الإنساني، كان فيها ادريس مسناوي فيلسوفا عميقا في رؤيته و أديبا مجربا في كتابته وتشكيليا راقيا في أسلوبه.[/rtl]
[rtl]
الهوامش[/rtl]
[rtl]
1- سنكتفي بذكر رقم الصفحة إلى جانب الاستشهاد عوض الإشارة إليه في الهامش.[/rtl]
[rtl]
2- اُنظر أنماط الرواية العربية الجديدة، عالم المعرفة، ع355، شتنبر 2008.[/rtl]
[rtl][3- - انظر الشكلانيون الروس: نظرية المنهج الشكلي، ترجمة إبراهيم الخطيب، الشركة المغربية للناشرين و مؤسسة الأبحاث العربية،1982م، ص109-111.[/rtl]
[rtl]
4 - معجم المصطلحات المسرحية، إعداد: أحمد بلخيري، مطبعة سندي- مكناس، ط1/ 1997، ص50.[/rtl]
5 - اُنظر الشخصية و القول و الحكي في لعبة النسيان لمحمد برادة – دراسة نصية تحليلية، توزيع مكتبة الرسالة و مكتبة الأمنية، دون تاريخ.