فاجأ الزجال ادريس أمغار مسناوي قراءه مع نهاية سنة 2011 بإصدار أول أعماله الروائية تحت عنوان "تاعروروت".
و هو عبارة عن تعاويد شرع في كتابتها سنة 1989 ثم توقف مدة عشرين سنة ليعود إليها سنة 2009، بتأثير من ابنه نفيس الذي بعث له بروايته المخطوطة "وشم على ساق أبيض فرعوني" قصد مراجعتها و مساعدته على تنقيحها، لكنه استطاع أن يفجر في الكاتب شرارة السرد ( نفيس حوّلني من زجال إلى روائي ص3)
فكتب "تاعروروت" هذه الرواية التي تحاول أن تجيب عن تساؤلات ساكنة و زوار قبيلة آيت يحيى الذين تثيرهم عزلة أحد القبور بها ( قبر معزول تيطل على جنان منشور على طول الشعبه. قبر ما نقول إلا منسي أو بغت ليالي الوقت يتنسى. و انت تتدوز من احداه أو تاتوقف عليه تاتسكنك رهبه غريبه و تتبورش عليك لحمك، و تساؤلات كثيرة تتسيطر عليك ص5).
هكذا وجد الكاتب نفسه مندفعا لتخيل قصة هذا القبر أو بالأحرى تاريخه عبر مجموعة من اللوحات المعنونة و الممتدة على طول الفضاء الورقي، لتكشف للقارئ خيوط الأحداث التي جاءت على الشكل الآتي:
تحكي الرواية عن شخصية تاعروروت التي خرجت إلى مراكش رفقة خطيبها "غوذا" للبحث عن أبيها "أعريب" أمغار قبيلته و الناطق الرسمي باسمها ، هذا الأخير الذي سجنه أحد القياد بعدما واجهه و تحداه ردا لبطش و طمع المخزن الذي تابعهم في استخلاص الضرائب حتى في أحلك المواسم الفلاحية و أشدها جفافا.
خرجت تاعروروت بعدما لم تفلح القبيلة بقيادة "للا همه" في استعادة أعريب، و بعد وفاة السلطان مولاي الحسن الذي مات و معه وعده بإطلاق سراحه.
و بالفعل تمكنت تاعروروت من إطلاق سراح أبيها بتدخل من أحد أولياء مراكش الصالحين لدى حاجب القصر "ابا احماد"، و إعادته لقبيلته معززا مكرما مرفوع الهامة بين خلانه و أمغارات القبائل المجاورة، لكنه مات يوم وصوله وسط احتفاءات الأهالي و دفن بنفس المكان الذي سلم فيه الروح إلى باريها، ليكون بذلك هو صاحب القبر المنسي و المعزول...
و زفت تاعرورت إلى غوذا في نفس اليوم تحت أهازيج الأهالي:
آداوك آخيتي و شڤوا بك الرڤيه
و خلاوا لعجاج اعمى عينيا
و تؤثث الرواية مجموعة من الأحداث الثانوية و المساعدة على تنامي الحدث الرئيس نترك الكشف عنها للقارئ حتى لا نغنيه عن قراءة العمل الروائي، و نسعى فيما يلي الكشف عن مواقف و صفات تاعروروت.
تاعروروت إذا هي بطلة الرواية، هذه البطولة التي اكتسبتها من خلال مجموعة من المواقف و الصفات؛ فأما مواقفها فيمكن اختزالها في:
- نيابتها عن أمها أثناء غيابها عن البيت.
- نجدتها لأخيها "يلان" من الموت.
- نجاحها في إقناع غوذا بمرافقتها إلى مراكش.
- جرأتها على البحث عن أبيها مقابل تقاعس إخوانها الذكور.
- استجابة الحاجب ابا احماد و زوجته لطلبها.
- إطلاق سراح أبيها.
(...)
أما صفاتها فهي صفات :المروءة، الشهامة، الإرادة، الحنان، الأمل...، كما جمعت مع الحسن الفتان نظم الشعر و الرقص الزموري. صفات جعلتها شخصية أسطورية تذوب العقبات في وجهها و تنكسر الحواجز أمام عزيمتها، و ينبهر المخزن ببرها لوالدها، و تتغلب على مشاق السفر، و تنجو من بطش قطاع الطرق و خاصة من مكر الدرويش الذي حاول سرقة دوابها، و ، أن ترد كيد أحد القياد الذي قام بإغرائها و مراودتها في نفسها.
و قد توسل الكاتب في عمله هذا باللهجة الدارجة، مستثمرا مخزونها الإبداعي و قدرتها على السرد و الوصف و التعبير ؛ فتبلورت لغة رزينة ترقى عن الابتذال و الإسفاف ( خفت يهرب بك إغزر أو يطير بك أنزار.ص223). لغة وسيطة بين دارجة اليومي و عربية الفصحى تسهل قراءتها و فهمها من قبل القارئ العربي. لغة تكشف من خلال بعض الحوارات عن شاعرية كبيرة و تنحث في المعنى أجمل الصور ( واحد الشجرة شاربه ظلها / كانت الشمس كتميل على جنبها ذ ليسر باش تغطس راسها ف البحر/ الڤمره طالعه حاله ذاعها و هي جارة ثوبها ع الأرض...). و تتوسل بالرمز عندما لا تسعفها العبارة في الكشف عن رومانسية الشخصيات (كانت الساعه فاتحه ذراعها/ كانت الساعه رجل على رجل كتقرا كف الزمان/ كانت الساعه حاله رجليها الفوق حامله شادها لوجع...).
و إلى جانب رقي اللغة عرف السرد رقيه بتوظيف زخم هام من التراث الإنساني، مثل: أسطورة أنزار و ثسليت، و حكايات الجراد و جحا، و المرددات الشعبية (تاعروروت * يا زينة الزهرات * زمور بك احلات)، و قصائد الملحون ( آياقوتة شلاّ ما يحضي كسراوي *يا شمعة ملك نايرة في قبّه مفروش* يا قمره بين امزان)، و الزجل ( هرسنا المعارف* قلنا المحبة *ما تخاوي *رمينا الحق* قلنا اوتاره *ما تساوي)
و مكنت الرؤية من خلف السارد من امتلاك المعرفة بالشخصيات و بأحلامها و رغباتها و عواطفها و نفسياتها و بأسرارها ( و قال مع راسه علاش...). و التحكم بالسرد حذفا ( مشات ايام و جات ايام)، و استرجاعا (كانت عندي نقول لك شي سبعه و ربعين عام...). و تنويع وظائف الوصف بين التوضيح( ملي شفت القايد ما بغاش يفهم و عينيه فيّ، ما عرفت كيف خرّجت من فمّي...)، و إبراز ملامح و طباع الشخوص ( صوت رقيق صافي و جميل نابع من الوجدان)، و إيهام القارئ بواقعية الأحداث ( .. و ف واد أم الربيع طاح مريض، نقول لك ف الخريف ديال 1894).
(....)
سأقف عند حدود هذه القراءة الوصفية التي كانت استجابة لطلب بعض الأصدقاء الذين لم يتمكنوا بعد من قراءة الرواية، و أقر أخيرا بأن الكاتب قد تفوق في معالجة و تناول عدد من القضايا و القيم ك: الحرية و التعايش و المرأة و الحب و الحياة و الموت...، و منه يكون توفقه في مغامرته السردية، و تفرده في رقيه بالسرد الدارج تفوقا يفتح آفاقا جديدة أمام هذا النوع الأدبي.
يونس تهوش
ورزازات 02/01/2012