الخبزَه
تمغطت الظلمَه على سطح ميات سنَه وسنَه. تكّا الشجر على ظلُّه المحروق بنار المحنَه .
الواد تكمَّش .. تكمش حتى صار نقطَه ف فم آخر جرانَه.
قريه نابتَه جنب طريق تدِّي ف ليام وتجيب . قريه كانت منورَه بوجه الشمس ، مظللَه بحكمة الشيب. قريه كانت تحلب حليبها من بزازل لجبال، ترَضَّع سهول .. تخضَّر حقول وتقول قليل وقليل ف حق لجبال ولفصول . قريه صغيره لكن كبيره ف الحلم والمعقول.
قريه جاع فيها الصغير ، سكتوه بالسكّاتَه. جاع فيها الطير ، سكتوه ب كبريتَه . جاعت الأرض، سكتوها ب يا شتا تا تا ....
شرب الجفاف عرق الويدان وتـﭭرَّع على سهولنا صهد ونيران. وما بين نحلّوا العين ونخرّْجوا اللسان ، شفنا القريه خيال عريان ، ضلوعها خارجين وعينيها داخلين غيران.
كان .. كان ...
عفاك ، لا يقول لي حد : سبب النحس هما الغربان .
كان .. كان ...
عفاك، لا يقرا عليَّ حد : سبب لخواض هما الجران.
خليكم معايا نقراوا لحكايه ف كفوف الزمان :
ملي دار النهار على جنبُه ذ الشمال ، نزل على قهوى واحد الخيال ، مخبي ف كرشُه خزين، حط قدّامُه خبزَه تعمَّر يدين. طلب براد أتاي مشَحَّر ، واشرط يكون بالنعناع والعنبر .
كانوا قدام القهوَه قومان طايحين . بغى الحظ ينسى بيناتهم مسكين . ملي شاف ما شاف ، حار واش يكَذَّب ولاّ يصَدَّق العين. قفز قفزَه وحدَه بلا جنحين، وبصوت حنين قال للسمين:
_ عرفتِ من يمتى ما دقنا الدقيق يا عَز المومنين ؟ .
● ومن بعد ؟
_ هذ الخبزَه جاتك منين ؟
● شغلك .
_ ارحمني يا عز المومنين.
● سر .. سر .. درَّڤ عليَّ وجهك و ف الحين .
_ بنص من ذك الخبزَه اعتق الروح يا ولد الجود والإحسان ، يكون لك مكان ف جنة رضوان.
● قلت لك سر بحالك قبل ما ننوض لك .
_ اعطيني ربع واحد من باب الرحمه.
● ولا دغمَه.
_ خليني نشم غير ريحتُه.
● قلت لك درَّڤ علي ذك الكمَّارَه قبل ما ننوض نخسَّرها لك .
ما كان ع لهزيل غير ارمَ يدُّه ع الخبزَه قوَّه، قال للسمين "إلى كانت كرشك كبيره، حقي ها هو ".
ترمى عليه السمين ، شنق عليه بجوج يدين ، حط ما تحط الخبزَه يا لَعين.
تدَخَّل القهواجي يفكهم ، كانت القوَّه بلغت الضفَّه الأخرى. هز السمين البرّاد يضرب به لمعظم ، لكن لمعظم كان خَف م البرق ، اخوى وجا البراد ف القهواجي.
فلت لمعظم من يد السمين، قال " هذا حقي ومنهنا طريقي ، إلى عندك شي ركابي صحاح اتبعني" .
رمى لمعظم الرجل ف الريح وسار يفتل الخطوَه ب اختها فتيل، والسمين وراه يتمايل تقول فيل، والطريق قدامهم تجري خط طويل.
ملي شاف السمين حساب خطواتُه ثقيل، اطلق ف وذن لمعظم كلمتين " بالنص راضي ، كن انت القاضي وارجع واقسم الخبزَه قسمتين ".
_ كانت القسمَه حل ، وكان لبكا حل ، أما دبا حل آخر حصل .
سارت الخطوه خطوتين أطول وأسرع من اللولين ، والسمين عثرَه هنا .. عثرَه الهيه ، والمعظم غير ما تايزيد يبعَّد عليه.
● ارجع آ خويا واعطيني غير الربع .
_ كانت لمساومَه حل واليوم كلام آخر حصل .
خطوَه .. خطوَه وكل خطوه تولد خطوات أسرع من اللولات .
ملي السمين خانتُه ساعتُه وخوَت به صحتُه ، كان لمعظم على راس الكديه والسمين تحتها طايح ف عرقُه.
هز عينيه ، شاف ف لمعظم بعَّد عليه . اطلق حلقُه "سر .. غير سر ، خذها في سبيل الله ...".
إدريس أمغار مسناوي
من مخطوط "حكايات الليل والنهار" 1970 / 1979 م. النص موجود كذلك ف "كناش المتعاويد "